إن هذا الذي أسميه "نزع القلق عن الأسئلة الوجودية" يعتبر سمة من سمات مفهموم العلمية أو الموضوعية في العصر الحديث، حيث يطلب من الناس نقاش كل شيء وأي شيء بالقدر نفسه من العاطفة، والقدر نفسه من الحماس، يريدون منك أن تناقش وجود الله أو النبوة أو مصير الإنسان كما تناقش أفضلية ميسي على رونالدو، كل المواضيع كـ"شربة ماء".
إن مجرد تصور إمكان وجود شك في حقيقة وجود الله يستفز النفوس السليمة ويقلقها، هذا الموقف يذكرني بموقف أصحاب النفوس السوية الصحابة. |
إن هذا التصور للعلمية والموضوعية هو في حقيقته نوع من علمنة للأسئلة الوجودية، وإماتة للفطرة الإنسانية التي تتطلب اليقين في مثل هذه الأسئلة؛ هو نوع من خداع الذات الذي يمارسه الإنسان الحديث في كثير من مجالات الحياة، فقلب الإنسان فيه افتقار ذاتي، لله لا يسكن إلا مع الله وفي هذا يقول ابن القيم (إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبد).
أثارت الجلسة النقاشية التي أقامتها الجامعة عن الإلحاد ضجة واستنكار عند البعض حتى كادت أن تلغى.. مع اختلافي مع من طلب إلغاء الجلسة، إلا أن موقفهم موقف فطري طبيعي، فالجلسة تمس أصل الأصول وهو وجود الله، إن مجرد تصور إمكان وجود شك في هذه الحقيقة الكبرى يستفز النفوس السليمة ويقلقها، هذا الموقف يذكرني بموقف أصحاب النفوس السوية الصحابة -الذين لم تفسد فطرهم الحياة الحديثة- فقد كان يرد على أذهانهم تساؤل عن الله ومن خلقه، لقد كان يفضل أحدهم أن تبتلعه الأرض على أن يتساءل مثل هذا التساؤل وكان توصيف النبي صلى الله عليه وسلم لهذا القلق أنه "صريح الإيمان".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.