شعار قسم مدونات

من إسلام الوراثة إلى إسلام الدراسة

blogs - ISLAM

إن الناظر بإمعان في أحوالنا اليوم وما ءالَ إليه أمرنا من ضعف وتفرقة واختلاف وتأخر، وإن المتمعن في بعدنا عن الله وعن دينه وفي سوء معاملاتنا فيما بيننا وللآخرين، وسوء انتسابنا إلى أصولنا، يجد أن ذلك راجع في الأصل إلى سبب واحد نشأت عنه أسباب عدة، وعامل واحد تولد منه عوامل كثيرة. هذا السبب و هذا العامل هو الجهل بالدين الذي أكرمنا الله بالانتساب إليه، لأن دين الله هو روح هذه الحياة، والعلم بأموره إقامة لجوانب تلكم الحياة (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) 52 الشورى ، والجهل بدين الله تعطيل لسير الحياة وطمس لمعالمها وإخراج لها عن سنن الله (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) 122 الأنعام. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) 153 الأنعام 

الجهل بالدين وحقائقه يقتضي الجهل بالله جل في علاه والجهل برسوله صلى الله عليه وسلم ويقتضي الجهل بحقيقة هذه الدنيا وحقيقة وجودنا وحقيقة ما سننقلب إليه من مصائرنا. عن جهلنا بحقيقة الدين نشأ حبنا للدنيا وتهافتنا عليها وكراهيتنا للموت فكنا كالغثاء، عن جهلنا بأمور ديننا نشأ حرصنا على تحصيل الدنيا بكل وسيلة وعلى السعي للاستزادة من متعها الفانية، عن جهلنا بأمور ديننا أضعنا الصلوات واتبعنا الشهوات وانتهكنا الحرمات وقصرنا في الواجبات، عن جهلنا بأمور ديننا تفرقت صفوفنا واختلفت قلوبنا وتقطعت أرحامنا وتشتت أسرنا.

 

بعلمنا بأمور ديننا وفقهنا لمقاصده وتمثلنا لتعاليمه نعرف حقيقة هذه الدنيا الزائلة والغاية التي وجدنا من أجلها وحقيقة ما سننقلب إليه

ببعدنا عن ديننا نزعت البركة منا وسلطت الأعداء والأدواء علينا وحلت الفتن والمحن بنا، عن جهلنا بأمور ديننا مكٌن أعداؤنا منٌا وسُلطوا علينا وسلبوا أراضينا ودنسوا مقدساتنا وانتهكوا حرماتنا وأراقوا دماءنا، عن هجرنا لتعاليم ديننا تأخرنا وتخلفنا عن ركب الأمم والحضارات بعد أن كان الناس يهتدون بهدينا، بتركنا لتعلم ديننا تأخرنا عن تعلم العلوم النافعة كلها وتأخرنا في كل مجالات الحياة الفكرية والعلمية والصناعية والرياضية … بسبب تغربنا عن ديننا صرنا عنوان الأمية بعد أن كنا أمة رائدة في العلوم والمعارف. (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) 123، 124 طه.
 

ليس الغرض من هذا الوصف المختصر لأحوالنا الإحباط وتوسعة الجراح وإنما الغرض وصف الداء حتى يعرف الدواء فإن ذلك من أعظم أسباب الشفاء والعافية. فبعلمنا بأمور ديننا وفقهنا لمقاصده وتمثلنا لتعاليمه نعرف حقيقة هذه الدنيا الزائلة والغاية التي وجدنا من أجلها وحقيقة ما سننقلب إليه. بفهمنا لحقيقة العبادة لله عز وجل نؤدي الواجبات ونحفظ الحقوق وذلك سينعكس على كل مجالات حياتنا. بتمثلنا لتعاليم ديننا وفقهنا لمقاصد تشريعاته نلتزم بمسؤولياتنا ونقيم الفرض ونعمر الأرض التي استخلفنا الله فيها، بالالتزام بتعاليم ديننا والتفقه فيه تعمر مساجدنا ويسود الإخاء بيننا وتتطهر قلوبنا وتتحد صفوفنا وتجتمع كلمتنا ويصلح حال أسرنا وتوصل أرحامنا.

 

بالعلم بديننا يزيد حرصنا على تعلم العلوم كلها ويكون دافعا لإتقاننا وإخلاصنا في أعمالنا وتخصصاتنا فنعود إلى مرتبتنا بين الأمم، بالتزامنا بديننا يكون الله في عوننا ويحفظنا ويسخر قوى الكون لنصرتنا ويفتح علينا من حيث لا يخطر ببالنا (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) 96 الأعراف، بفهمنا لديننا وحبنا له ترخص الأنفس والأموال والأوقات وتهون المتاعب والصعاب ابتغاءا لرضوان ربنا وإعلاء لكلمته ودعوة إلى دينه وخدمة لعباده، باتباعنا لأمر ربنا عز وجل وتوجيهات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يتحمل كل منا مسؤوليته ويخلص فيها تجاه دينه وأمته فيصلح حال البلاد والعباد في مشارق الأرض ومغاربها.|

 

سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن موعد قيام الساعة فأجاب سائله بقوله: ما أعددت لها؟ وفي هذا الجواب إشارة إلى أن العلم بموعد الساعة لا يترتب عليه في ذاته فائدة عملية وإنما الفائدة تترتب على العلم بحقيقة قيام الساعة وهي إعداد العدة لها

بالفهم للدين تصح الأبدان وتنشط القلوب وتستقيم الأفكار وتزول الأوهام وتنحل العقد وتتضح الغوامض والشبهات، بالفقه لدين الله واتباع هديه نحقق فطرة الله ونقيم حكم الله ونحيي في رحمة وسعة من الله (أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) 30 الروم، بالعلم بأمور ديننا وفهمه نعيش على بصيرة من أمرنا ونعرف طعم السعادة في دنيا النكد والزيف ونستوجب السعادة الخالدة في الآخرة " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي " 108 يوسف. كل هذا وغيره، فقط في معرفة دين الله وفهمه والتفقه فيه والعودة إليه، لذلك قال فداه أبي وأمي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " نْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدين " صحيح البخاري. لأن الخير كله في دين الله وشرعه ولا سبيل إلى تحصيل ذلك وتحقيقه إلا بتعلم أمور الدين وفهمه وفقه أسراره وتمثل أنواره " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " 14 الملك. ومن لم يرد الله به خيرا كما هو مفهوم الحديث لا يفقهه في دينه ولا يفتح عليه بفهمه وتذوق أنواره. 

نحن أمة ينبغي أن تكون رائدة في العلم والتعلم، لا أن تكون أمة جهل وأمية وظلامية وتخلف، نحن أمة نصح وإرشاد وفاقد الشيء لا يعطيه، نحن أمة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، نحن أمة تخرج الناس بهدايتها من الظلمات إلى النور، نحن أمة أول النازل من نور الله عليها "اقْرَأْ"، نحن أمة العلم في حقها مقدم على الإيمان لأنه هو الطريق إلى تحقيقه "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ" 19 محمد.

إلى دعاة الحداثة
رب قائل يقول: دعونا من هذه الخطابات الأصولية التي أكل الدهر عليها وشرب والتي جعلتنا نتأخر عن ركب الحضارة والتقدم الفكري والصناعي والتكنولوجي.. دعوا الناس من الدين واتركوهم يقبلون على علوم الدنيا النافعة التي توزن بها الحضارة ويحقق بها التقدم والازدهار…

نقول له: كلام حق أريد به باطل. العلم الذي يدعو إليه الإسلام هو العلم العملي الذي ُينتفع به، وكل ما سواه فإنه لا يتحقق في شأنه وصف العلم بل هو مذموم ومنهي عنه. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن موعد قيام الساعة فأجاب سائله بقوله: ما أعددت لها؟ وفي هذا الجواب إشارة إلى أن العلم بموعد الساعة لا يترتب عليه في ذاته فائدة عملية وإنما الفائدة تترتب على العلم بحقيقة قيام الساعة وهي إعداد العدة لها. والإسلام حينما يحث على العلم والتعلم والقراءة إنما يريد بذلك ما يثمر لصاحبه التربية والتزكية وما يأخذ به إلى معرفة صافية بدينه وبرسالته فلا خير في علم لا يوصل إلى معرفة بالله أيا كان هذا العلم، ولا خير في عالم مهما بلغ في علمه إذا لم يعرف الله…. ولن ُينتفع أبدا بعلم ليست الغاية فيه ابتغاء وجه الله….

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.