شعار قسم مدونات

الاحتجاجات الطلابية في الجزائر والتأسيس لمرحلة جديدة

blogs - algeria
مما لاشك فيه أن الانسداد السياسي والخمول المجتمعي الذي طبع الساحة الوطنية في العقود الأخيرة كان لصيقا هو الآخر بوضعية الجامعة التي حوصرت عن محيطها التفاعلي، من ثمة كان تآكلها الذاتي نتيجة حتمية لمجموعة عوامل فُرضت بغرض إطالة الفترة الانتقالية التي أعقبت عشرية النار، وكذا الترويج للغة إجماع وطني مبنية على الحجة الأمنية التي وهنت في فترة معينة. لكن هذه الفترة – الانتقالية- طالت بدون قصد بفعل غياب التخطيط الاستراتيجي المحكم والبعيد، والذي قد يكون مبررا من زاوية ما بفعل طغيان حالة الشكّ واللايقين في الخروج من أزمة التسعينات والتي ذهب الكثير فيها إلى الإعتقاد الأكيد بسيناريو أفغنة الجزائر، وأن ميلاد أفغانستان جديدة في شمال إفريقيا أمر بيّن ستجلوه السنين اللاحقة.

إن الاحتجاجات الطلابية الحالية يجب تدعيمها وتقفي مسارها بالتأييد لأنها فرصة مواتية لإحداث القطيعة المرجوّة مع زمن الجماد واليأس، ولأنها كذلك قادرة على التأسيس لمرحلة جديدة.

وكانت الجامعة ضحية بارزة في كل هذه المتغيرات، إذ باتت تصدّر مواطنا صامتا مهجوسا بفكرة الحياد، يأكلْ القوتْ ويخشى الموت، هذا الطالب كان سببا -إضافة إلى أسباب أخرى- في تدهوّر القيمة الاقتصادية والاجتماعية للشهادة الجامعية، وفوق كل هذا عمّق الطالب الصامت من جراح المجتمع المدني بفكرة الحياد هذه التي اقتنع بها حدّ الكفر بكل ماهو عداها، فكرة قائمة على عدم التدخل بأي حال في أيّ شأن غير الدراسة الأكاديمية المريضة أصلا.

في الآونة الأخيرة ظهرت احتجاجات طلابية تبدو حتمية لنفض الغبار الذي خيّم على المؤسسة الجامعية طويلا، وإن كانت هذه الاحتاجات ترتكز على أجندة مطلبية تميل إلى المطالب الخدماتية والبيداغوجية بدرجة أولى، إلا أنها ضرورية في التأسيس لمرحلة جديدة يغلب عليها الوعيّ الطلابي بالحق غير قابل للتصرف في حرية التعبير، والتجمع السلمي، وكذا حق التنظيم وهو ما ينبئ بالدور الإصلاحي الذي ستضطلع به الجامعة بعد سنوات من غياب وتغييب الطالب المسيّس، وتعطيل الانتماءات والتوجهات السياسية داخل أروقتها وشلّ حركات الإبداع بتنوعها.

ولهذا المستجد أسبابا دافعة، منها الحركية الدولية الصاخبة وتنامي المطالبات الحقوقية والدفاع عنها وتأثير ذلك على الداخل، إضافة إلى تنامي دور الإعلام باختلافه، والذي بات يُغطي كل شاردة وواردة بغض النظر عن تفسيراته المختلفة لها، وكذا الدور الهام لوسائط التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتي أصبحت بديلا جمعيا لا غنى عنه، يملأ الفراغ الذي خلفته الأحزاب السياسية الانتهازية، والتي فُضح لهاثها وراء المناصب وعُريها تماما من الأفكار البناءة بفعل فشلها في حشد الدعم الطلابي؛ بل وساهمت في تعميق الأزمة الجامعية بنظرتها الدونية إلى الطالب باعتباره وسيلة ظرفية وليس غاية في حدّ ذاته، يظهر ذلك جليا في الوضع المزري للاتحادات الطلابية الخاوية من معناها.

إن الاحتجاجات الطلابية الحالية يجب تدعيمها وتقفي مسارها بالتأييد لأنها فرصة مواتية لإحداث القطيعة المرجوّة مع زمن الجماد واليأس، ولأنها كذلك قادرة على التأسيس لمرحلة جديدة طموحة يعلو فيها صوت الطالب فتكون التجربة الجامعية قادرة على إنتاج الطالب الحيوي الحامل للأفكار والقضايا والجسور في تعبيره عن آرائه السياسية والثقافية، وغيرها مما يسهم في خلق الطالب النموذج الذي يضفي قيمة مضافة لسوق العمل وللبلاد عموما، وليس عالة على معدلات البطالة فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.