شعار قسم مدونات

الإعلان العالمي لأحلام المواطن العربي

blogs-المواطنة

ثمة التباس لا تخطئه العين فيما يتعلق بالحقوق والأحلام أرسى قواعده في العالم العربي، فكثير من أحلام المواطن العربي البسيط ليست إلا حقوقا طبيعية يحظى بها المواطن في المجتمعات المستقرة، وذات السيادة الحقيقية، والقائمة على قيم العدل والتداول السلمي للسلطات، لكن لشدة حرمان المواطن العربي من بعضها، وظمأه إليها، انضمت هذه الحقوق إلى لائحة الأحلام المؤجلة، والتي لا ترى النور أحياناً، وإن رأته ذات يوم، تكون قد شاخت، وتغيرت ملامحها لدرجة أن صاحبها قد ينكرها رغم أنه لطالما منى نفسه بها!

ومما لا شك فيه، أن الحق في الحياة الكريمة سلطان الحقوق وسيدها، فإذا أهدر هذا الحق، انتهى كل شيء، فالحق في الحياة بعيداً عن مخاوف الانتهاك دون جريرة وبلا تهديدات، أصبح حلماً في العالم العربي الذي تصب في كثير من بلاده حمم الموت على المواطنين على رؤوس الأشهاد، إنه الحق الأكثر انتهاكاً في العالم العربي، حيث تستباح الدماء وحتى الأعراض من قبل رجال الأمن وغيرهم دون حسيب أو رقيب، وما طحن مواطن مغربي من قبل آلية تابعة للبلدية إلا مؤشر لمستوى الانحدار على صعيد احترام حق المواطن العربي بالحياة، فوضع حد لحياته أمر لا يتطلب سوى التفوه بكلمة أو إطلاق رصاصة في لحظة عابرة!

حتى الزواج أصبح حلماً صعب المنال بالنسبة لكثير من الشباب العربي لكثرة تكاليفه، وارتباطه الوثيق بتوفر فرصة عمل تتيح دخل يكفل الإنفاق على أسرة جديدة!

وكذلك الحال مع حق آخر يترتب عليه حقوق أخرى، إنه الحق في العمل، فشح فرص العمل يكوي الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، ويزرع الإحباط في نفوسهم، ويفقدهم الأمل في مستقبل واعد، حتى أصبح الظفر بفرصة عمل يتصدر أحلامهم دون الوقوف كثيراً على طبيعتها في ظل تراكم احتياجات الحياة ومستلزماتها، فالمهم أي فرصة تقيهم وحش البطالة، وتعينهم على حوائج الحياة، وتنجيهم من وحل الفقر، وغالباً تكون تلك الفرصة حال الظفر بها دون مستوى الحلم بمستقبل زاهر يتيح المجال نحو تحقيق المزيد من الأحلام في مسيرة الحياة.

ويضاف لحق العمل، حق آخر خاص بموظفي قطاع غزة الذين حالفهم الحظ بالعثور على فرصة عمل حكومية، فجل أحلامهم رهينة حق بات حلماً يتمثل بانتظام رواتبهم واكتمالها، إذ مضى عليهم أزيد من عامين دون أن يدخل جيوبهم سوى أقل من نصف الراتب المستحق فيما يذهب الباقي قصراً إلى المستحقات التي ترنو إليها أبصارهم دون أن تدركها أيديهم!

وحتى الزواج أصبح حلماً صعب المنال بالنسبة لكثير من الشباب العربي لكثرة تكاليفه، وارتباطه الوثيق بتوفر فرصة عمل تتيح دخل يكفل الإنفاق على أسرة جديدة، وفي هذا السياق، يكفي الإشارة للإحصائيات الراصدة لظاهرة العنوسة المتفشية في البلاد العربية، وارتفاع معدل سن الزواج لدى الشباب العربي، وبذا ينضم الحق في الزواج إلى قائمة الأحلام المرحلة إلى حين ميسرة، مع الإشارة لكونه حلماً ينطوي على أحلام أخرى بالإنجاب، فهذه أحلام يشاطر الشباب العربي فيها ذويهم العطشى للحظات الفرح والبهجة وامتداد السلالة.

إن الحق في الحياة الكريمة سلطان الحقوق وسيدها، فإذا أهدر هذا الحق، انتهى كل شيء، فالحق في الحياة بعيداً عن مخاوف الانتهاك دون جريرة وبلا تهديدات، أصبح حلماً في العالم العربي!!

كثيرة هي الحقوق، ومنها الحق في التعليم، الحق في السفر وحرية التنقل، الحق في السكن، الحق في حرية الرأي والتعبير، الحق في الكرامة، الحق في تقلد الوظائف العامة، وغير ذلك، كلها باتت في دائرة الأحلام التي ترهق المواطن العربي المنهك في البحث عن قوت يومه، والمشغول في دفع ملاحقة السلطات الحاكمة الكاتمة على أنفاسه، فالقاعدة الرائجة في الوطن العربي، أن المواطن مدان حتى تثبت براءته!

ولعل من المناسب في ظل الواقع المعاش تعديل مسمى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" إلى "الإعلان العالمي لأحلام المواطن العربي"، فنظرة سريعة على المنصوص في هذا الإعلان كفيلة بأن تنكأ جراح المواطن العربي، وإثارة شجونه وحسرته على واقعه، لاسيما حينما يقارنه بما ترسمه وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات من صورة وردية لحياة المواطن الغربي الذي يشغله المفاضلة بين جهاز الآيفون والسامسونج، ويهمه الاحتباس الحراري، ويصاب بالإرهاق لكثرة سفرياته، فيما السواد الأعظم من المواطنين العرب يعتمر في صدرهم حلم زيارة البيت الحرام، ويحول دون ذلك فقرهم والأوضاع غير المستقرة في كثير من البلاد العربية، لتبقى الزيارة حلما يراودهم منذ إبصار النور وحتى الرحيل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.