شعار قسم مدونات

لو كنتُ يوما ديك الجن

blogs - ديك الجن
كل ما يأتي على بالي عندما أجد منشورا على الفيس بوك تنهال عليه الإعجابات والتعليقات والمشاركات علمت يقينا أن ديك الجن هو كاتبه.. ديك الجن، ذاك الكاتب مجهول الهوية الذي بات طابعا وقصة وحكاية مجتمع عربي، يروي قصص واقعنا العربي ويسرق عواطف البشر دون أن يذكر اسمه أو يشتري أي تفاعل معه.

كانت المرة الأولى التي لمحت فيها منشورا له، عندما أثار فضولي تفاعلا كبيرا عليه! وكنت أعلم بفطرتي الفيسبوكية أن المنشور الذي يثير هذا الكم من التفاعل إما تافه مستهلك بشدة أو أنه قوي بشدة فتركته ولم أقرأه لأنه برأيي وقتي كان أثمن من أن أضيع ١٠ دقائق منه بقراءة قصة مجهولة النهاية ولكاتب مجهول كذلك! لم أبدأ فيه حتى، و قمت بحفظه كأي شيء أرغب في أن أعود له و لا أعود له إلا بعد أشهر.


و للمرة الثانية أثارني المنشور ذاته، حينها قررت أن أقرأه لأحكم.. قرأت أول فقرة، التالية، التي تليها! حتى ظننت أنه يتحدث عني لا محالة.. يحكي قصتي مذ أستيقظ وحتى أنام، قصتي مع الأيام والأوجاع.. الناس والحكومات وكل شيء.. كأنه يعيش معي.. في إحدى رسائله يقول: "إن الحزن لا يغير العالم يا سيد فرحان.. الحزن هو قبولنا البائس للأشياء.. ما يغيره حقا هو الغضب.. هذا الغليان الأبكم الذي يرفض الظلم واحتمالات الظلم.. وأي مآل قد يؤدي للظلم.. ولا يستخدم في سبيل ذلك إلا يديه.. لكن هذا الغضب شيء خطر يا سيد فرحان… والحزن أسلم منه.. فها نحن نحزن"


أظن أنه احتاج وقتا طويلا.. طريقا صعبا سلكه حتى استطاع أن يجرد نفسه من كابوس الشهرة، ويحكي أوجاع الناس دون مقابل أن يتحدثوا عنه حتى.. جرد نفسه من كابوس الأنا عندما استطاع استشعار مواطن الوجع في قلب أحدهم اعتقد أن لا أحد يفهمه و يشعر به.

نحزن جميعا، نبكي جميعا، و نتألم بصمت يجعلنا نظن أن الأوجاع و الآلام تركت العالم أجمع و أصابتنا نحن دون سوانا .. حتى تقرأ قصة من قصص ديك الجن وتدرك أن وجعك الذي تظنه جرحا عميقا ما هو إلا خدش عند آخر.. ولكن الفرق أن ديك الجن أخرج نفسه من صندوق نفسه، صندوق مشاكله ومآسيه وحده ونظر إلى العالم من الأفق، الأفق الذي يسمح له أن يرى أوجاع البشر أجمع بل ويشعرها ويرويها بإحساس تظن أنه هو من يشعر بها على عمق تقمصه لها.


أظن أنه احتاج وقتا طويلا.. طريقا صعبا سلكه حتى استطاع أن يجرد نفسه من كابوس الشهرة، ويحكي أوجاع الناس دون مقابل أن يتحدثوا عنه حتى.. جرد نفسه من كابوس الأنا عندما استطاع استشعار مواطن الوجع في قلب أحدهم اعتقد أن لا أحد يفهمه و يشعر به.


و أنا بتدوينتي هذه لا أكتب لغاية مدح موهبته الفذة و إن كانت كذلك فعلا! لكنني أكتبه لأرى كم كل منا يحتاج لديك جن بداخله، يخرج نفسه من نفسه و يرى آلام غيره حتى يدرك أن ألمه صغير سيبرد في يوم و يحمد الله كثيرا و يصبر كثيرا و يعطي كثيرا و يحب كثيرا حتى يستطيع أن يخفف آلام غيره.


تلك القدرة على أن تضع نفسك في قالب الفقراء، و ليس بالضرورة فقراء مال.. قد يكونوا فقراء عقل وحب وصديق وأم ووطن.. الفقر واسع.. وليس الأغنياء، فالأغنياء لا يحتاجون أحدا ليضع نفسه بقالبهم، الأغنياء يصنعون القوالب بأنفسهم على اختلافها! يشترونها! و يشكلونها كيفما شاءوا !


لو كنت ديك الجن يوما.. وليوم واحد على الأقل! لشكرت الله كثيرا، لضحكت كثيرا، لشعرت كثيرا، لأحببت كثيرا ولأعطيت أكثر وأكثر، بقدر آلامي وآلام الكون مجتمعة معا.. لوضعت نفسي بقالب المفارق، غريب الوطن، مهجر الدار، أم الشهيد، اليتيم، الحزين، المقهور وكذلك لكنت قالب مواطن يعيش ويموت وفي قلبه حقد أزلي على حكومته.. لكنني أعلم يقينا أن كم الألم الذي سأشعره مع غيري سيعود علي بحب و حمد كثيرين جدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.