شعار قسم مدونات

لا شَيء يكسرنا

blogs - revolution

إن هذه الثورات هي كل ما نملكه لمستقبل أفضل وما أتذكر أنا وآخرين أن محاولة تغيير واقعنا السياسي العربي كانت مجرد حُلم عابر وأن إمكانية المشاركة في هذا التحول كانت رمزاً لرسائل مشفرة خوفاً من رجال الأمن وهرباً من مراقبة المستبد الجائر. وربما من سوء حظنا كان وما زال كأفراد وجماعات أن حالة التغيير التي نصبو إليها تحتاج لهذا الفعل العنيف المسمى "ثورة" وهذا مهم وحتمي كي تتغير عقائد المجتمع البالية ويغدو سلطان الأفكار والمعتقدات الجديدة كقيم الديمقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان ورفض الاستبداد هو المسيطر على العقول والأذهان العربية.

 

ولو نظرنا اليوم في حالة الواقع العربي فإن تطبيق هذه العقيدة الجديدة قد نشط في كافة المجالات خصوصاً بين الفئات الشابة "جيل الثورات" الذي ضاق ذرعاً بحالة التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي أصابت هذه المجتمعات رغم أنها توصف بالمجتمعات الفَتية وتمتلك كل الإمكانيات لتحقيق مزيد من الحريات والرفاه الاجتماعي.
 

يرفض آخرون اليوم كل الخزعبلات القومية والدينية للإذعان بهيمنة الدولة لإهانة الفرد مما سيكفل ويؤكد على استمرار فكرة الثورة، ولا يعني أبداً بأنها ستنتهي كما يروج البعض الخانع والذليل لسلطة المستبد وقوة نفوذه.

ومن المعروف أيضا وجود صفات رسخت في تكوين الأمة وعمل الزمن على نحتها في طبائعها فأصبحت ميزة تتسم فيها هذه الأمة أو تلك الجماعة؛ لذا إن تلاشي مثل هذه الصفات والطبائع من روح هذه الأمة كقبول الاستبداد وإذلال السلطان التي أنتجتها عقود طويلة من الاستعمار وحكومات الاستبداد المتلاحقة كان يتطلب من الجماهير رداً قوياً عليه للتخلص من آثاره الهائلة.

وإن هذا الرد بدأ بالاحتجاج العفوي ريثما تنتشر القيم الجديدة "الديمقراطية مثلاً" وتتغلب على عقول جماعتها ومن ثم يصعب تناسيها أو إغفالها من الحياة العامة لأنها استحوذت على أحلام قواعدها وأصبحت طموحاً عاماً لدى الفرد وبرنامجاً سياسياً لبعض الجماعات السياسية الناشئة في خضم هكذا أحداث.
 

في المقابل ومن غير الممكن أيضاً تجنب الاصطدام القاسي مع واقع المجتمع القديم، فتدخل هذه الثورة في صراع عنيف مع المقابل "كالثورات المضادة والدولة العميقة" فإما ستستحوذ عليها في النهاية أو تتغلب عليها ولو جزئياً لكنها أبداً لا تهزم "هكذا التاريخ أرشدنا" لأنها أصبحت حقيقة خالدة في ضمير الأمة وجزءاً من عقائده الحديثة، وبالتالي يحتاج أعداء الثورات إلى زمن أكبر لكي يتغلبوا عليها وينتصروا على ردة فعل الجماهير ضد مطامعهم، ولهذا تدخل المجتمعات في صراعها الطويل من أجل التغيير؛ ليس فقط لأنها تريد الانتصار على أعدائها، بل لتسري قيم الثورة في نفوس بقية الجماهير وتتمكن من غالبيتهم دون أن يدرك الجمهور نفسه سحر تأثره بهذه القيم الجديدة.
 

قد يبدو جليلاً أيضاً بأن الواقع الميداني بكل تفاصيله يُلوح بالهزيمة لكن التاريخ علمنا بأنه يحتاج وقته لاستيعاب مرحلة التغيير ولا تكمن مهمة الحاضر في إعلان الانتصار المؤقت ولا بإعلان الهزيمة الحتمية لأن هذا كله جزءٌ من مراحل الثورة ومخاض عمليات التحول الديمقراطي العسير، ولأن حاجة التغيير لمثل هذا التجاذب الطويل بين الخير والشر سيترك للتاريخ مهمة هذا التحديد فيما بعد وليس مهمة الفرد ولا المقيّم تعين ذلك في هذه اللحظة التاريخية المتغيرة باستمرار.
 

قد يتعب ثائر ما أو ييأس وربما يتألم أو يموت أو ينسحب لكن فكرته ستبقى لأنها القيمة الأسمى في التاريخ الحديث لروح الأمة والتي ستدافع عنها الأجيال التي نشأت في ظل ظروفها. فكما العبودية تورث فبالتأكيد إن الحرية تورث. وتوريث هذه العقيدة لأقراننا على مستوى الفكرة هو أيضاً جزءاً من بقاء هذه الثورة وعقيدتها في روح الجماعة.

وهذا ما يشير إليه الواقع الجديد بوجود هذه الدلالات الرمزية حيث ينتشر المدافعون عن القيم الجديدة ويرفض آخرون اليوم كل الخزعبلات القومية والدينية للإذعان بهيمنة الدولة لإهانة الفرد مما سيكفل ويؤكد على استمرار هذه الأفكار ولا يعني أبداً بأنها ستنتهي كما يروج البعض الخانع والذليل لسلطة المستبد وقوة نفوذه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.