شعار قسم مدونات

صدق ماركس

blogs - أديان
نعم، صدق ماركس حينما قال الدين أفيون الشعوب، ليس بذلك الفهم المغلوط الذي يتعشش لدى كثيرين معتقدين أن العيب والمشكلة في الدين ويسارعون في ضرب كارل ماركس وإيصافه بصفات المعتدي على الدين وقداسته بما أعتقد شخصيا أن السياق الذي استخدمت فيه الكلمات الثلاث لها مدلول مختلف ومغاير لما يحاول العقل البسيط استعابه وفهمه فكما وردت مترجمة. الدين هو تنهيدة المضطهد، هو قلب عالمٍ لاقلب له، مثلما هو روح وضع شروط بلا روح، إنه أفيون الشعب ماركس نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية. ويمكن أن أضيف عليها تعديلا بسيطا لأحاول إظفاء نوع من القبول عليها من طرف القارئين، وكذا لإيماني أن المشكلة الحقيقية في ذوي اللحي الطويلة ولابسي العبايات القصيرة فأقول: استغلال الدين وفهم القاصر له أفيون ومسكن الشعوب غير القارئة.

فهذه العبارة لا يمكن تعميمها على كل دين، وإنما على أفكار بعض المنتسبين إليه، فلا يمكن أن نحكم على النصرانية واليهودية والإسلام مثلا على أنها أديان محاربة للعقل ونابذة للفكر وإن صدرت فإنما هي آراء وأفكار لمن انتسب لذلك الدين ولنوضح أمثلة لذلك من واقعنا كمسلمين: تقبل الظلم والاستعباد من قبل الحكام كـأمراء الدول السابقة، العباسية في بعض فتراتها، والأموية في بعض فترات ولاتها. فقد أعانهم على ذلك فقهاء السلطة من المنتفعين بجاه السلطان أو الراهبين والخائفين من سطوة سيفه، والذين لا ينفكون يقنعون العامة أن طاعة ولي الأمر هو من طاعة الله وأن طاعة إمام جائر يقيم الصلاة والحدود الشرعية ويحمي الثغور هي واجبة شرعا لأن الخروج عليه أو محاولة تغيير الواقع قد ينتج عنه فتنة تضر بالمسلمين أكثر مما تنفعهم. ناسين أو متناسين أن الإسلام كان ثورة ضد الظلم والقبلية والاستعباد، وأن الله هو القائل في محكم كتابه أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأن رسولنا الكريم صلوات الله عليه هو من قال لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.. وفقهاء السلطه هؤلاء يزينون للحكام ظلمهم وتعسفهم وجبروتهم واعتبارهم آلهة يجب أن تعبد لأنهم خلفاء الله في أرضه.

القطيع الذي لا يعرف إلا عاش عاش عاش معتقدا أن في ذلك نصرة للدين وحماية للإسلام، وأن الرضى بما نملكه أو يملكه المرء هي قناعة أوصى بها الرب، متناسين أن الله دعى كما ذكرنا سالفا لمحاسبة الطغاة والفاسدين.

الجانب الذي تستغله جماعات العنف من الإسلام السياسي في التحكم بأتباعها واستقطاب أعضاء، فهذه الجماعات تغيب عقول أتباعها بأوهام ويزينون لهم الجهاد بمفهموهم الدموي الرهيب فيتسابق الشباب المغيب في هذا الحلم الأفيوني الجميل إلى قتل الأبرياء أو الذين لا قيمة لهم من الأعداء في عملية انتحار شجاعة لا يمكن أن يقوم بها عاقل في حالة وعي كامل فيفقدون حياتهم عبثا.

وهذا يظهر أيضا جليا في زماننا الراهن، فعندما يتحدث بعض من يحسبون أنفسهم رجال دين وتقوى وورع، فأكاد أصاب بالغيثان لا احتقارا لأشخاصهم بل لغباوة ما يتلفظون به، والتي صراحة لا ديننا الحنيف ولا شرائعنا مع ذلك، فماذا سننتظر ممن يؤمن بعورة صوت المرأة وبعدم جوازها للخروج للعمل، وماذا سننتظر من الذي ما زال يرفض خروج العامة للشارع للمطالبة بما هو حق لهم بدعوى خيانة ولي الأمر، وخاصة عندما تصادف من يتغنى بما خرج به ويدافع عنه، كاعتبار الخروج للشارع من أجل المطالبة بالحياة الكريمة خروجا عن ذوي الامر، وتمهيدا للفتنة… إلخ.

وهذا ما تؤكده أفواه العديدين، وقد كان لخروج أحدهم، مقيم في بلجيكا، يصنف ضمن الدعاة، الذي يوهم بلحيته الطويلة ولباسه الإسلامي أنه صاحب الدعوة والفكر الإسلامي الشرعي الحق كما يسميه كثيرون، ليترافع باسم الدين على نساء الريف الحسيمة، وتجرأ بالحكم عليهن بأن ما فعلن بالخروج للشارع في عيدهن 8 مارس، كغيرهن من نساء العالم ورجاله للمطالبة بما يرون فيه حقا لهن، غير شرعي، ومخالف لدين صاحب الخروج، الذي نتمنى أن يعيده الله لعقله.

فهاته الأمثلة البسيطة تبين أن تخدير العقول انطلاقا من الدين المستغل من طرف الساسة والفقهاء والمحسوبين على التيار السلفي.. يهدد التقدم والتطور ومواكبة العصر، ويخدم مصالح القلة القليلة التي كان يقصدها كارل ماركس وتجعل العامة ينخدعون، ويصبحون كقطيع لا يعرف إلا عاش عاش عاش معتقدا أن في ذلك نصرة للدين وحماية للإسلام، وأن الرضى بما نملكه أو يملكه المرء هي قناعة أوصى بها الرب، متناسين أن الله دعى كما ذكرنا سالفا لمحاسبة الطغاة والفاسدين.

وأنهي بما دعى إليه عبد الله العروي من أجل أن نواكب الغرب ونساير تطوره إلى المسارعة في ثورة ثقافية، تقف ضد التيار السلفي وكذا الليبرالي الانتقائي: لم ينتج السلفي والانتقائي، وهما الممثلان الرئيسان للإديولوجية العربية المعاصرة، أي برنامج ثقافي يسمح بإلغاء أحوال التأخر الثقاقي، وتحقيق نهضة ثقافية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.