شعار قسم مدونات

بين وفيٍّ وخائن.. يعيش الوطن ويهلك المواطن

blog-اليأس

عندما تكون الأوطان في مفهومها الخاص لدى الشعوب عبارة عن شعارات طنّانة وأسماء فانية وأعلام تحجب النور عن مُستحقّيه أو نختزلها بقطع جُغرافية مُحددة الأبعاد ومُحاطة بالبنادق وأسلاك الحماية، سنقع في فخ الخيانة الذي لطالما نصبه لنا رعاة الكراسي وحملة الطبول ومُزّوري التاريخ ومازالوا، الذين في الحقيقة قضوا الغالي والنفيس لتصل الشعوب لهذه المرحلة من العلاقة العاطفية بين الوطن والمواطن مع تحفّظي على مفهوم المواطن.
 

الوطن الذي قال فيه ما قال الأستاذ محمد الماغوط في كتابه الذي يكاد أن يكون أيقونة للثائر العربي أو ربما للمُخلص إن صحّ التعبير -من وجهة نظري- (سأخون وطني)، أصبح مُختزلاً في أدوات يبدو عليها الهرم والتّعب، ونسوا تماماً أن الوطن بمؤسساته وحُكوماته وقيادته وعلى رأس ما ذكرت الشعوب التي لا نزاع في أنها الأوْلى والأحق بكلمة وطن فضلاً عن حصرها في الحكومة والحاكم، حيثُ أنتجت لنا هذه النماذج جيلاً كهلاً فكريّاً، لم يقف مرّة على مفهوم المواطن والمسؤول.
 

السؤال هنا وبيت القصيد! هل الوطن في خدمة المواطن أم المواطن في خدمة الوطن؟

على المُثقفين وأصحاب الفكر وأهل العلم أن يكونوا أشدّ صلابة في التعاطي مع هذه المواضيع الحسّاسة والتي لا يُلقِي لها بالاً عامة الشعب.

إذا ما قُلنا أن الوطن في خدمة المواطن سنرى أن مُعظم أوطاننا خائنة وكافرة العشير وأنها لا تُساوي بنظر الحافي أكثر من حذاء كما قال الماغوط، ولو أردنا حصر خدمات الوطن في مفهوم الحُضن الدافئ الحنون سنجد مُعظم طبقات المُجتمع باردة وجاحدة وتفتقد لحنان الوطن عليها ولا يُساوي بنظرها في الحقيقة أكثر من معطف، ولو قُلنا جدلاً أن الوطن في حكومته وحُكّامه لوجدنا أنفسنا مُلحدين في الأوطان ولا ننتمي لها ولا يُساوي بنظرنا أكثر من رَدهة نُلقي بها كاهل جُثثنا المليئة بالعتب والتعب.
 

أما إذا ما أجمعنا على أن المواطن هو من يخدم الوطن فحرّيٌ بنا على أن نتّفق أن خدمة الوطن أسمى وأكبر من أن نحصرها بالدفاع عنه وحمايته بالجسد والسلاح، فإذا ما هممنا بخدمته من بابٍ أولى أن نخدمه بالعلم والتوعية والتفقيه ونقله من قطعة جُغرافية أو جواز سفر من ورق إلى نهضة وحضارة وثورة فكرية ثقافية تغزو العقول حتى نُصبح أمّة مُنتجة تملك ما تملك من المصانع والمزارع، لكن على أرض الواقع هذا لا يحصُل ومن فمٍ مُتشائمٍ أقول: لن تحصُل لأسباب كثيرة أنتم تعلمونها جيّداً ولا يتّسع المقام لذكرها.
 

التعاضد والتكاتف ثقافة بعيدة كلّ البُعد عن مجتمعاتنا وربما نحتاج لعصورٍ أخرى حتى نُدرك خط الصفر الذي كنّا أول من تخطاه في دهرٍ مضى، فلن تقوم للوطن قائمة إذا ما أصرّينا على اختزال مفهوم الوطن وتهميش دور المواطن وترك الحلول لنصرة التاريخ المجيد الذي لن يحدُث إلا بسواعدنا، على المؤسسات الحكومية أن تدع مصالحها الشخصية وراء ظهورها وعلى المواطن ما على حكوماته حتى نخرج بنسيجٍ مُتّزن يخلو من الصناعات الأجنبية وبآلات وطنيّة بحتة لنضع أولى أقدامنا في طريقِ المجدِ وعلى درب التقدّم كمثالٍ يُحتذى به في ضرب الأرض والحرب بعيداً عن التلوّث والدماء.
 

على العموم، يجب على المُثقفين وأصحاب الفكر وأهل العلم أن يكونوا أشدّ صلابة في التعاطي مع هذه المواضيع الحسّاسة والتي لا يُلقي لها بالاً عامة الشعب، وعليهم أيضاً أن يكونوا أكثر يقظة لكلّ الأيادي التي تطالُ من وحدة المُجتمع كنسيج شريطة عدم لعب دور الحانوتي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.