تسيل الأماني
من ليالينا الحزينة
نفتش عن أفراح مستعارة
تحمينا غدر العاصفة
عن أمنية مخبأة في عيون الغد
عن عناوين الشجر والشموس
والأعياد القديمة
عن لافتة لم تكتب بالأحمر القانيّ
في الشارع وصفحة الوطن والجريدة
في زمن شحّت فيه العاطفة، نحتاج الكثير من الحب لنواجه به ما خلفته الحروب والثورات من أحلام مضادة، من آمال مؤجلة وأمنيات استحالت في الوقت الراهن، نحتاج إلى خمس حواس أو أكثر لنحب بعضنا من جديد، لنخترع أحضانا دافئة عند الضرورة، لنكون بصمة حنوّ على جسد منهك، نحتاج أن نطرد سادية الواقع من اللاوعي، أن ندرب خزانة الذاكرة على النسيان لنستخلص ذرات الفرح المتبقية، أن نطرد أفكارنا الهزيلة ونستخرج من باطن الأرض أحلامنا الكبرى، أن نغفي الصور المشوهة من المخيلة ونواري باب الماضي لنتجنب الخيبة، أن نأخذ قيلولة مشتهاة عند عتبة الحلم، نحتاج أن نحرض الحياة على الحياة..
في رحلة البحث عن عوالم لم تمسسها اللاإنسانية، أشد ما نحتاجه الكثير من الحب والاحتواء وسط عجرفة العالم، نحتاج أن نمرن عضلة القلب على العطاء اللامشروط ولا نتخذ هيئة المحايد في الشؤون الكبرى ولا نقنع بالبطولات الخجولة، علينا أن نستيقظ من غيبوبة الحواس وندخل في سجال دائم مع الذات إلى أن يشرق عصر النور فينا وتمتلئ الأجواف العطشى، أن نمنح بلا ضجيج ونحط أمتعة الرحلة عند الأبواب المهجورة، أن يطمئن الصاحب للصاحب ونحشد الظلال للمارة المتعبين، أن نوزع أوراق يانصيب رابحة على العابرين وننسى أسماء الغزاة.. علينا في هذا الزمن المضاد للفرح أن نرتب فوضوية أفكارنا المنهكة ليولد الحب من رحم الحزن..
ما أحوجنا لأن نصير شعبا لا يهاب الفرح ولا يعتبر الضحكة المجلجلة "فأل سيّء"، ما أحوجنا للحظات بلا ألم وتوقعات بلا سقف ومشاعر بلا خديعة. |
أيتها الحمائم المهاجرة في دمي
ارهفي السمع إلى صداي
لأنسى طريق الرجوع وهوية الأحزان
خذيني إلى منفى في أرض بلا مطر
فأنا غيمة تنازلت عن عرشها
فتتها الانتظار وغابت في الزحام
ارفعي نخبي الأخير
شدي وثاقي..
وخذيني إلى أي سماء تريدين
ما أحوجنا لأحلام بيضاء تزهر على حافة قلوبنا، تولد من ليل المجاز لتتحول إلى واقع مضيء يطرد غبش الروح، ما أحوجنا لأن نحب بعضنا بسيئاتنا وحسناتنا بكل ما أوتينا من فرح، ما أحوجنا لأن نصير شعبا لا يهاب الفرح ولا يعتبر الضحكة المجلجلة "فأل سيّء"، ما أحوجنا للحظات بلا ألم وتوقعات بلا سقف ومشاعر بلا خديعة وخطوات بلا تربص وأخطاء بلا اقتناص وحياة بلا شظايا، ما أحوجنا لأن نخطئ ونصيب ونهوي ونعلو ونسقط وننهض ونسيء ونحسن وأكتاف تنتشلنا من كبوتنا دون أن تُجْهز علينا أو تلقي بنا في جبّ الأحكام الجاهزة.. ما أحوجنا لبناء قلاع حصينة نصد بها مغول العصر وسماسرة الحياة..
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.