شعار قسم مدونات

الفن الإسلامي وبناء القيم

blogs - سامي يوسف
يعتبر الفن أحد المحاور الكبرى للعمل الدعوي النهضوي الشامل، وقد كان للفن أيام الصحوة الإسلامية بصمته من خلال اقتحام الكثير من الفضاءات السمعية والبصرية والمقروءة، لكن ذلك لم يعمر كثيرا فسرعان ما استيقظت الحركة الإسلامية على صوت مفزع مدوٍ ينادي: "لا يدخل إلى سوقنا من تفقه في الفن"، منذ ذلك الحين والتضييق يمارس على كل من أراد أن يفكر في عمل فني متشبع بالفكر الإسلامي الصافي والعادات الوطنية الأصيلة، فلم نجد بعدها في الساحة الفنية إلا النطيحة والمتردية وما على أنغام الأنظمة تُنشِد سمومها.

وقد كان رد أبناء التيار الإسلامي إزاء هذا الوضع متباينا، بين متهمٍ للوضع عارفٍ بجوانب القصور في الحركة الإسلامية وتأخرها عن مسايرة ركب الفن، وبين فئة أخرى أنكرت الفن كلية، ولم يعد موجودا في أبجديات عملها الدعوي شيء يسمى: المسرح، والتمثيل، والروايات، والإنشاد، والمسلسلات.. وبين هذا وذاك واقع واحد، هو أن الفن الإسلامي لم ينطلق للحياة ليؤدي وظيفته التي من أجلها خلق، ولعل هذا راجع لأمرين اثنين رئيسين، أحدهما: عدم تحرير مفهوم الفن والأشكال التي يمكن أن يأخذها ومرتبته في الأحكام الشرعية، والآخر: الاستسلام والركون لتيار الموجة المخدرة التي أصابت جسد الحركة الإسلامية في مقتل وضغطت عليه حتى شلته عن التفكير في التجديد والإبداع والتطوير، فضلا عن العمل والتطبيق والتحقيق.

الفن الإسلامي له القدرة الفائقة على أن يصمم لبناء صلب يتمكن من الفكر فيرشده، ويسلك أغوار القلب فيهديه، ويرافق السلوك فيقومه، ولا يتصور فقيه لمسألة الفن أنه يجب على الفن أن يتقيد بإيراد الآيات والأحاديث كلما كتب أو مثل أو صوَّر.

إن نجاح الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي يتطلب منها أن تعيد التفكير في التفكير ذاته، أو أن تحسن إنزال ما تدعيه من شمول على واقع الحياة، دون أن يلهيها اشتغالها بفقه مراتب الأعمال عن طلب تحصيل الكمال في مجالات الدعوة الأخرى، وقد عبر عن هذا بدقة أستاذ الأدب الإسلامي نجيب الكيلاني داعيا المهتمين بشؤون الدعوة إلى اقتحام مجال الفن الواسع وإلباسه اللباس الذي أراده الله له، "إن تكامل أدوات الدعوة الإسلامية في العصر الحديث لا يتم إلا بتطويع هذه الفنون والآداب، وتطهيرها في ينابيع القيم الإسلامية العريقة، وإعطائها ما تستحقه من الاهتمام والدراسة، والتوسل بها – في أطهر أحوالها – إلى جماهير الناس"، ثم يعلل بمثال يستثير المنطق ويسترضيه ليتقبل العقل الدعوي الدعوى التي أثارها "إن بضعة أمتار من الحرير تستطيع المرأة أن تصنع منها ثوبا ضيقا قصيرا، يبرز مفاتنها ويجذب إليها العيون الفضولية، ويحيطها بجو من الإغراء والفساد.. وإن بضعة أمتار أخرى تستطيع امرأة ثانية أن تصنع منها ثوبا محتشما، عليه سيماء الفضيلة والوقار..".

وكم هي معبرة تلك الكلمة التي فصح بها الممثل الجزائري "صالح أوقروت" عند مشاركته كلمةً بمناسبة الحملة الوطنية "علمني رسول الله" لجمعية المعالي الجزائرية، "واليوم آن الأوان لأن يتدين الفنانون، ولأن يدخل للفن أهل التدين، يجب أن لا نترك لهم الساحة لوحدهم".. لقد أحسن هذا الفنان التعبير عن الواجب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم سواء كان هذا المسلم من الدعاة العاملين للإسلام أم كان من الذين يعملون لصالح الفئة التي تحمل معول هدمه وتفكيك مقومات هويته – عن قصد أو عن غير قصد-.

إن الفن الإسلامي له القدرة الفائقة على أن يصمم لبناء صلب يتمكن من الفكر فيرشده، ويسلك أغوار القلب فيهديه، ويرافق السلوك فيقومه، ولا يتصور فقيه لمسألة الفن أنه يجب على الفن أن يتقيد بإيراد الآيات والأحاديث كلما كتب أو مثل أو صوَّر، فالذي يفكر قليلا، سيجد أن المقصد من النص هو تلك القيمة الإيمانية أو السلوكية – الأخلاقية أو التعبدية -، فإذا كان لأصحاب الزمن الأول نصيب من الفهم للغة الوحي تعفيهم من طلب وسائل أخرى للوصول إلى المقصود الشرعي من النص، فإن لأهل هذا الزمان إلحاح في طلبها، ذلك أن اللغة لم تعد أداة يتحكم في عقالها خلق كثير من العرب فما الظن بغيرهم. من هنا كانت الحاجة ماسة للبحث عن طرق أخرى مساعدة لتحقيق تلك القيمة الإيمانية أو السلوكية أو القيمية، فكان الفن أقدر الوسائل وأمكنها من الوصول لفئة عظمى من الناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.