شعار قسم مدونات

أسئلة مشروعة

blogs - morocco

عندما وضعت الانتخابات التشريعية بالمغرب، التي أجريت في السابع من أكتوبر 2016، أوزارها معلنة فوز حزب العدالة والتنمية بولاية ثانية، قال آنذاك الأمين العام للحزب عبد الإله بن كيران في أولى تصريحاته بخصوص تشكيل الائتلاف الحكومي: "إن خيارات تحالفات حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة المقبلة مفتوحة على جميع الأحزاب باستثناء حزب واحد نرى أنه لن تكون هناك فرصة للتحالف معه وهو حزب الأصالة والمعاصرة".
 

وكمتتبعين ومهتمين، قلنا حينها إن للبيجيدي كامل الصلاحيات في أن يشكل حكومته مع من يرى فيهم مقومات التحالف، في إطار ما تقره طبعاً الوثيقة الدستورية، إذا كان الهدف في نهاية المطاف هو ترجمة الإرادة الشعبية التي بفضلها تبوأ حزب المصباح المركز الأول.
 

في غمرة احتفالات المصباح في جميع جهات الوطن بانتصاره، لاسيما وأن هذا الأخير جاء عقب تخوفات البيجيدي من مغبة تزوير نتائج الاستحقاقات التشريعية لصالح الغريم التقليدي التام، قام الملك محمد السادس بتكليف بن كيران بتشكيل الحكومة، وهو ما اعتبره الجميع حينها انتصار للديمقراطية واحترام ملكي لمقتضيات الفصل 47 من الدستور. فاستهل مباشرة بعد ذلك رئيس الحكومة المكلف سلسلة مشاوراته مع الأحزاب السياسية قصد تحقيق الأغلبية البرلمانية قبل الإفراج عن هوية الأحزاب التي من المنتظر أن تأثث حكومة المغاربة؛ إذ يتعين الحصول على 198 مقعداً برلمانياً لتشكيل الائتلاف.

إلا أنه ومع توالي الأسابيع باتت بوادر أزمة سياسية تلوح في الأفق، فأصبح الحديث عن فشل المشاورات القاضية بتحقيق توليفة حكومية من المسلمات، في خضم "وهو ما تبين فيما بعد" تعنت حزب التجمع الوطني للأحرار وفرضه شروطاً تتضمن إشراك حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري مع إزاحة حزب الاستقلال وتعويضه بالاتحاد الاشتراكي، ثم تشبت باقي الأحزاب بشروطهم التي وصفت ب"التعجيزية"، وهو ما دفع ببن كيران إلى إصدار بيانه الشهير "انتهى الكلام" إيذاناً باستحالة إتمام المشاورات.
 

إذا كان اختيار المملكة للنهج التنموي نبذاً للثورات وتحقيقاً للاستقرار، فإنه على الأحزاب السياسية أن تكون أول منخرط في هذا المسعى عبر تقديم تنازلات فداء للوطن

باختصار مُركز، كانت هذه هي أبرز الأحداث التي طبعت مشهدنا السياسي منذ إسدال الستار عن تشريعيات أكتوبر فيما يرتبط بتشكيل الحكومة، وفي ظل غزارة هذه الأحداث وأهميتها كنت أتساءل وأنا أتابع بحرص ومجهود كبيرين تطورات هذا الموضوع، أين هو المواطن المغربي البسيط من كل هذا؟
 

صادف صباح يوم ممطر، في أوج حرب البلاغ والبلاغ المضاد، واستقليت "طاكسي كبير" بالعاصمة الإدارية "الرباط" وكان سائق "الطاكسي" يصغي لنشرة إخبارية إذاعية، فبمجرد ختمها لموجزها الإخباري صاح السائق قائلاً، في حديث افتراضي مع المذيعة، "أبنتي ما عدنا نعرف من يقول الصدق ممن يفتري ويستحمرنا.. كلهم أسوياء في نظري ولا تهمهم سوى مصلحتهم أما الشعب فإنه خارج تخميناتهم ".
 

عادة، لا أشارك في أي حديث وأنا على متن سيارة الأجرة، إذ أكتفي بالإنصات فقط؛ لكن هذه المرة أهمية الموضوع المثار كانت تقتضي دون مقاومة التدخل؛ تبادلنا أطراف الحديث ووضحت لهم ما يجري بكل موضوعية وأمانة على ضوء ما أملك من معلومات. معلومات كان ل"الفيسبوك" فضل كبير في معرفتها، فكانت فرصة سانحة بالنسبة لي لمعرفة نبض الشارع المغربي من خلال عينة من المواطنين بخصوص ما عرف حينها ب"البلوكاج الحكومي". وهو ما استدعى وقتها طرح علامات استفهامية عميقة من قبلي:

– ألم يكن من حق المواطن البسيط الذي لا يملك إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، ليتسنى له مواكبة مجريات وفصول تشكيل الحكومة أن يتوجه إليه عبد الإله بن كيران على اعتبار أنه هو المكلف رقم 1 بالمهمة. من خلال برنامج خاص يحاكي فعلاً ما نعيشه من حدث استثنائي، مساحة إخبارية تبث عبر قناة من قنوات الدولة العمومية، إعمالاً لمقتضيات الدستور الذي تنص إحدى فصوله على حق المواطن في الحصول على المعلومة؟
 

– أليس من حق هذا المواطن البسيط معرفة لماذا استغرق تشكيل حكومته زهاء 5 أشهر في سابقة من نوعها، وما هي الإجراءات التي يجب خوضها للخروج من هذه الأزمة التي عمرت طويلاً؟
 

– هل كان من اللازم حقاً، إعلانها حرب بلاغات وأشياء أخرى، إلى جانب تسخير "بروباغاندا" إعلامية تكتب لصالح ألف وباء وشين… مسوقة لمن يدفع أكثر، صورة السياسي الوطني المقدام. حتى بات يخيل لنا ونحن نتابع مشاهد هاته المسرحية وكأننا أمام أبطال حقيقيون، متناسين أنهم إلى حدود الأمس كانوا هم خدام الدولة ورعاياها الأجلاء، فيما لم نكن نحن حينها سوى كائنات خارج التصنيف؟
 

طرحت هذه الأسئلة وأنا على علم مسبق بأننا نملك أدرعاً إعلامية باختلاف أشكالها، تشترك في مهمة واحدة وهي البحث عن الخبر اليقين ومد الجمهور بالمعلومة الصحيحة، لكن ولأن قطاع الإعلام في المغرب، رغم المجهودات المبذولة لازال في قبضة ذوي النفوذ والمال، فإن الأمر حال دون توصل المواطن بالحقيقة، بحيث روجت أخباراً زائفة عبر أقلام مأجورة وجرائد موجهة تصطف إلى جانب من يضمن لصبيب الإشهار الاستمرار في التدفق.
 

 من أسباب عدم تشكيل الحكومة: تعنت حزب التجمع الوطني للأحرار وفرضه شروطاً تتضمن إشراك حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري مع إزاحة حزب الاستقلال وتعويضه بالاتحاد الاشتراكي.

لطالما كنت أتحين فرصة لقاء أحدهم لأقول له إن هذا المواطن الذي لا يهمكم أمره ولا تعترفون به سوى إبان "القيامة الانتخابية"، لتتغاضون عن وجوده متناسينه مباشرة بعد اصطياد حقيبة وزارية أو ضمان مقعد برلماني يخول لكم تقاعداً مريحاً أبد الدهر.

ملَّ هذا الوضع وكلَّ عيش تفاصيل الإقصاء المُرَّة التي تنتهجونها ضده مع سبق الإصرار والترصد؛ ففي الوقت الذي كان من الأجدر فيه، أن توحدوا كلمتكم على خدمته وضمان حقوقه كنتم، للأسف، أول من خرق حقه خرقاً سافراً وتطاول على كرامته تطاولاً مكتمل الأركان. أتعجب أنهم لم يستطيعوا وضع المواطن في الصورة منتشلينه من وضعية التيه التي تسببوا له في عيشها فكيف سيبلون على أرض الواقع رزمة الوعود التي أجهروا بها في مهرجاناتهم الخطابية وقطعوا العهد على أنفسهم أنهم سيفون بها؟

 

قد يطول أمد تشكيل حكومتنا أكثر وقد يحصل وتتجدد المشاورات، قد تطفو على السطح شروط جديدة للتفاوض أو تضمحل أخرى، قد ينبطح البيجيدي أو الأحرار، ومن المرجح أيضاً أن يستجمع تدخل ملكي أطراف حكومتنا في أقل من ساعة.

بعد ذلك بأيام قليلة ستلهينا أمور أخرى لتنسينا أزمتنا السياسية هاته، لكن ما لا يجب أن ينسى هو أننا البلد الوحيد الذي نجى من رياح ما سمي بالربيع العربي، تلك العاصفة التي بسببها هدت صوامع وبيع ومساجد وتشرد وتوفي الملايين من الأبرياء. فإذا كان اختيار المملكة للنهج التنموي نبذاً للثورات وتحقيقاً للاستقرار، فإنه على الأحزاب السياسية أن تكون أول منخرط في هذا المسعى عبر تقديم تنازلات فداء للوطن، خدمة للمواطنين وتطلعاً لمستقبل أفضل قوامه الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية.
 

وجبت الإشارة إلى أن حكومتنا، إلى حين كتابة هذه الأسطر لم ترى النور بعد، لا زلنا ننتظر خبر ميلادها لندون هذا التاريخ بمداد من ذهب، أقترح فيما بعد إعلان تاريخ ولادتها عيداً وطنياً تقام في ذكراه طقوس الاحتفال على غرار ما تحدثه بنا عادة نحن المغاربة أخبار الولادة من فرحة وبهجة. فترانا منتشين نعد "الشباكية" "سليلو" و"الرفيسة" تحضيراً ليوم ولائمي كبير نستقبل فيه الضيوف والأحباب على إيقاعات الطرب والحناجر تصدح بالزغاريد التي تسمع صداها من هذا الزقاق وذاك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.