شعار قسم مدونات

واقعنا المرير بين إيران وأميركا

blogs - iran us
ليس من قبيل الصدفة ولا من قبيل الميعاد، ذاك التراشق الخطابي الحالي بين أمريكا والنظام الإيراني، الذي سرعان ما تطوّر إلى التكهّن باحتمال حدوث مواجهة مباشرة بين الطرفين، الأمر المستبعد في أغلب النزاعات الدولية على مرّ التاريخ، باستثناء هذا الصراع، ربّما دواعي الاستعجال لكون ساحة المواجهة تخدم أهداف طرفي النزاع، ألا وهي الملعب اليمني الساحة الجديدة للتمدّد الإيراني في المنطقة العربية مع الأخذ بعصا الإرهاب من الوسط ريثما يتسنّى لأحدهم توظيفها في الصراع ذاته، وكالعادة الحقيقة في واد والمواربة في وادٍ آخر وثوابت السياسة الأمريكية وعدوها الإعلامي التقليدي الإيراني في وديان أخرى.


جلي جدا أنّ حيثيات ما يشبه الصراع بين الطرفين تعود إلى ديماغوجية السياسة الأمريكية بحكم أنها تعتبر إيران مجرد فزاعة لحماية مصالحها في المنطقة ولاسيما الخليج العربي، وهذه المعاداة اللفظية ذاتها خدمة للنظام الإيراني الساعي إلى تعميق الأسس للدولة الأيديولوجية العميقة، حيث أننا نلاحظ ثمة تناسب طردي يربط بين التمدّد والتغلغل الإيراني في المنطقة العربية مع حدة الصراع في مضمار المعاداة لقوى الهيمنة والاستكبار العالمي كما دأب النظام الإيراني على التسويق لنفسه الحامي الجسور للكرامة الإسلامية طبعا بمقاييسها، فالإدارة الأمريكية السابقة برئاسة "بارك أوباما" أطلقت يد النظام  الإيراني في المنطقة ليس من قبيل فقدان السيطرة أو السقوط في الأخطاء-كما تحدث نتيجة سوء الحدس أو التقدير- إنما جاءت تلك الخطوة بمثابة ضرورة مرحلية ملحّة للسياسة الأمريكية، 
كي يتسنّى لها إحداث انقسام عمودي في بنية المجتمعات العربية، في كل من لبنان، سوريا، العراق واليمن، والذي كانت نتيجته هذا الانقسام المتمثل بالصراع المذهبي العقيم.


لا نجد دورا إيرانيا يستحقّ الوقوف عنده، بقدر ما نجد صراعا للنفوذ بين القوتين الأمريكية و الروسية ما عدا تطفلا إيرانياً ساذجاً في الهامش المسموح به للمناورة بعيداً عن مصالح القوتين

إن إبقاء تلك المناطق الجغرافية في دوامة العنف والتخلف والتراجع الفكري بكلّ مناحيه كما ورد في المقدمة لابن خلدون والفوارق بين الانقسام العمودي والأفقي للمجتمعات، وكذلك إحياء جذوة الصراعات العرقية التي خفّت جذوتها في المراحل السابقة ربما نتيجة الثورة التكنولوجية ومخرجات العولمة والانفتاح والتعددية والتنوع الثقافي والإيمان بقيم العدالة والديمقراطية التي باتت نوعاً من التطور والترف الثقافي لدى المجتمعات، ممّا دفعت النخب إلى التسويق والترويج في هذا المنحى..

هذا المنحى الذي لا يتوافق مع الآلية الأمريكية للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في العالم كونها سوف تفقد أهم ذريعة أمريكية لفرض الوصاية على الدول والشعوب، كلّ هذه الأمور تدفعنا إلى التكهن اليقيني أن ظهور "دونالد ترمب" مدجّجا بالخطابات الغارقة في الاستعلاء والعنجهية والعداء الصريح للثقافات والدول والأنظمة، وحتى المضي في تراشق كافة جهات الأرض وقاراتها بانتقاداته وعباراته الجارحة التي تخلو من أدنى الأخلاقيات الدبلوماسية.


ليس من قبيل الصدفة أيضا كون المصلحة الأمريكية العليا تستدعي إعادة الهيبة الأمريكية المتمثلة بالقوة العالمية الوحيدة والتي يحق لها التعبير عنها بالأسلوب المرضي لغروره، ولاسيما بعد بروز السياسة الروسية الطامحة إلى إعادة الأمجاد السوفيتية الغابرة، والإفصاح عن نواياها بدون مواربة أو توجسٍ من أيّ منافس محتمل، بالإضافة إلى ترجمة تلك النوايا على أرض الواقع بالتدخل الفج والاستعراضي بكامل قواها الدبلوماسية والعسكرية، كما حصل في سوريا وتمكنها من فرض كافة حلولها على النظام والمعارضة معاً، وبالتالي لا نجد دورا إيرانيا يستحقّ الوقوف عنده، بقدر ما نجد صراعا للنفوذ بين القوتين الأمريكية والروسية ما عدا تطفلا إيرانياً ساذجاً في الهامش المسموح به للمناورة بعيداً عن مصالح القوتين.


المسرحية الهزلية السيئة النص والإخراج والغارقة بعبارات التهديد والوعيد والتراشق لن تغير شيئاً من قواعد اللعبة الإيرانية الغربية، التي موادها الإبقاء على الصراع الإعلامي علناً وتقاسم المصالح وتبادل الأدوار سراً، مع الإبقاء على المهمة الإيرانية الأساسية، والتي هي المضي في تهديد المنطقة العربية، وربّما بوسائل قد تتفوق على الوسيلة الكلاسيكية المختصرة كنشر الميلشيات العقائدية والمشبعة بالمذهبية، وتتجاوزها إلى السيطرة على بعض الأنظمة العربية، وجعل تلك الأنظمة مثار القلق والتهديد لنظام عربي آخر، كما هو حاصل ويحصل في اليمن، بالمناسبة!

النظام الإيراني مستعد لتقديم كافة التنازلات الممكنة والغير ممكنة، مقابل إطلاق يده في التحكّم بالورقة الكردية في المنطقة، ولا تزال الاحتمالات مفتوحة على كافة الحلول، في ظلّ فقدان النظام الإيراني لأهم رجالاته، "علي أكبر رفسنجاني" المنقذ الإيراني من حرب الأعوام الثمانية مع العراق، وكذلك الاتفاق النووي المثير للجدل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.