شعار قسم مدونات

كما تُشير الأوراق الرسمية

مدونات - فرهداي
في الحقيقة أنا لا أكترث كثيرًا لديانة الشخص، ولا أضعها في اعتباري للتقييم! أصبح مُضحكًا حقا تسارع البعض في التهليل، الذي لا أجد له تشبيها في قاموسي الواسع من التشبيهات سوى مقولة، "سيبهم يتسلوا"، حينما يفوز مسلم كما تُشير الأوراق الرسمية في أي شيء يُحدث ضجة عالمية! وخصوصا تلك التي يُسميها باومان، غمد الله روحه المكان الذي يريده، ببالوعات الحداثة!

تُرى هل يفرق معك حقًا، كشخص مسلم متوسط الإيمان تؤدي صلواتك الخمس، حبة فوق وحبة تحت، وتصوم بقوة الدفع المجتمعية، وتُزكي كلما ارتفع نصاب حولك الـ ٥ سنوي، وترى أن الحج لمن أستطاعوا وليس لك، وتكذب كلما سنحت لك الفرصة، فوز أصغر فارهادي أو ماهرشالا علي بالأوسكار! أم ترى أنّ القضية المجتمعية للتعريف بالإسلام "الحداثي" سيتم دفعها قُدما إذا ما سنحت الفرصة لمثل أولئك بالتَصّدر؟!

علينا أن نكون أكثر صدقًا نحو ذواتنا أوّلاً، فوز فارهادي أسعدك، فيما من زاوية أخرى ترى الشيعة لا يستحقون التعاطف، لاختلافٍ عقائدي لم تسمح لك نفسك السوية التصالح معه، ولا تستطيع أبدا التخلي عنه، لأنّه ميثاق جيني ورثته مع شكل منخارك من جدود أجدادك! حسنًا، أبسط يا عم، فارهادي لا يقيم للعقائد أي وزن أصلاً! وماهرشالا، خليلته ترتدي البكيني بكل أريحية!

الصورة لا بد أن تكون واضحة يا جماعة الخير! كما هو مطلوب منّا أن لا نحكم على سرائر النَّاس وعلاقتهم برب العالمين، ونفعل ذلك فعلاً والله، مطلوب أيضا من جماعة الـمبالغين في "بروزة القضايا" و"بزنستها" أنّ يضعوا الديانة خارج أصول الصراع! لأن الموضوعية تُحتم ذلك يا سادة! علينّا أن نعترف، "ووالله موش عيب أبدا"، أنّ أكثر ما يؤذي قضايانا، سوء تسويقها بشكل يُهلهلُها ويُفرغها من المضمون! فارهادي فاز بالأوسكار، فجعلوه إسلامًا فائز، فلسطيني فاز في أرب آيدول فجعلوه قُدّسا مُحررة! ما هذا؟!

إنّ الربط مأساة فلسفية، نجد زواياها المتعرجة أكثر إيلامًا حينما نُفند المسألة باستخدام الكوميديا! والصدق في هذه الحالات دواء أنتي بيوتك مفيد!

الرؤية والبوصلة في التوظيف منحرفتان أيما انحراف! فارهادي مثلا طلب من أنوشه أنصاري وهي أميركية يا سيدنا (هاجر والدها من إيران) ولا تمتُ بصلة للسيدة الإيرانية البسيطة في إحدى حواري طهران، والتي ترتدي "عباءة راس" وتُخلل الفجل البنفسجي مساءا لتبيعه في سوق الحي في الصباح، سوى في التركيبة العرّقية التي لا فكاك منها! وهي، أي أنوشه، بالمناسبة، وكما هو التوصيف الرائج، أول مسلمة، رائدة فضاء! بالرغم من أنّ "أنوش" خانم قد دفعت ٢٠ مليون دولار لمحطة الفضاء الروسية لوضعها في مهمة مدتها ٨ أيام فقط! بالرغم من أن الرحلات المكوكية لا تقل مدتها عن 3 إلى ٦ شهور! أنوشه، وهي سيدة أُجلها لأسباب شتى، منها أنّها تعيش حُلمي كسيدة ذكية للغاية وثرية للغاية، جمعت ثروتها الطائلة بالتعب والمجهود والعرق والذكاء أيضا عن طريق العلم والبزنس، وليس بتقطيع السجاجيد ركوعًا وسجودًا مثلا، هي نفسها إن أخذوا رأيها عن شرف ورفعة كونها أول مسلمة رائدة فضاء، لبصقت على يسارها، مستجمعةً مفردات سِباب عِرقها الفارسي، ذلك أنّ المرءَ مهما تغرب أو هُجِّر لا ينسى أمرين: أصول السباب، وأصول شيء آخر، وقالت بكل أريحية: إنَّما أوتيته على عَلّمٍ عنّدي!!

ومثال أنوشه أسوقه إليك للتدبر كيف استغل فارهادي الفرصة بذكاء، ليوصل رسالته، أيّا كانت، ولم يُمارس هواية التّمسح والتبرك باللا مضمون من القضية، كما نفعل نحن! إنّ الربط مأساة فلسفية، نجد زواياها المتعرجة أكثر إيلامًا حينما نُفند المسألة باستخدام الكوميديا! والصدق في هذه الحالات دواء أنتي بيوتك مفيد!

فارهادي والآخر يستحقان فعلا التهليل والترحيب لأنهما، مبدعين وفقط، ها؟ وفقط! نعم مبدعين، وإبداعهما وصل وأخيرا لمصافٍ عالمية، جعل استحقاقهما للفوز أمرًا واقعًا، ومن ثم احتفلا بالفوز والفرحة والفخر تملؤهما، مع قرع كؤوس الشامبين اللذيذة الفائرة، بالخلفية!

الغريب، لم أجد أي مبارزات بالسيوف ودبكة حول فوز فيلم "الخوذ البيضاء"، باعتبارهم أصحاب قضية حقيقة حقًا، ومسلمين حقًا، على غرار ما صنفتم فيه فخركم! مسلمون! وكوكب آخر! أم أنّ للدّم صمت مُقدس لا يُناسبه شهوة التعبير الذي يكسّحنا كنهر جارفٍ من "الهياط"؟! نأمُل ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.