شعار قسم مدونات

غاب الإخوان.. حضر العسكر.. خسر المجتمع

blogs-islamist
فقد المجتمع المصري رافدا مهما للصمود أمام ظروف الحياة الصعبة وتعقيداتها المتلاحقة بغياب جماعة الإخوان المسلمين عن ساحة العمل العام والتطوعي. فالآلاف من عناصر الجماعة القابعين اليوم خلف جدران الزنازين أو المطاردين كان لهم دور مهم في تخفيف أعباء وتكاليف الحياة على الجمهور العام، ولا سيما الشرائح الدنيا في المجتمع المصري.

فالجماعة كانت ترعي آلاف الأسر ماديا عبر برامجها المتنوعة في لجنة البر، فضلا عن تنشيط الجماعة ومساهمتها في دعم الجمعيات الخيرية المختلفة بالدفع بعناصرها للعمل التطوعي فيها مثل الجمعية الشرعية، أو صناع الحياة أو رسالة وغيرها، أو عبر تأسيس جمعيات للمساعدة في مختلف أحياء مصر. غياب الإخوان المسلمين عن الساحة ترك فجوة اجتماعية كبيرة لن يستطيع النظام الانقلابي رتقها بأي شكل.

ارتفاع معدلات الجريمة، والانحراف القيمي، وظهور جرائم أخلاقية لم يكن يعرفها المجتمع المصري المتدين بطبعه دليل علي غياب الدور الوعظي والإرشادي الذي كانت تقوم به الجماعة.

حوار طويل بين كوادر الجماعة في السجون وخارجها – كنت شاهدا عليه – دار حول مدي فائدة ذلك العمل الخيري للجمهور المصري الذي لم يراع ذلك خلال أحداث الانقلاب العسكري، وكان سببا في اعتقال عدد كبير من عناصر الجماعة والاعتداء عليهم في الفعاليات المختلفة المناهضة للانقلاب العسكري. دارت الحوارات حول جدوى عمل البر بمساراته المتنوعة في مجتمع يفتقد إلى كل مقومات الحياة من تعليم وصحة وغيرها. الجميع كان يبحث عن تفسير منطقي مقبول لما حدث من نكران تلك الشرائح لجهود الإخوان المسلمين معهم، لكنهم حتي هذه اللحظة لم يصلوا إلي هذا التفسير.

بالفعل كل المؤشرات تؤكد أهمية الدور الغائب للجماعة منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ذلك الدور الذي كان يخفف العبء علي المواطن والحكومة في نفس الوقت. معدلات الفقر ارتفعت إلى 28 بالمائة تقريبا بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وزادت أعباء الحياة علي المواطن وارتفعت الأسعار مع زيادة التضخم بالتوازي مع القرارات الاقتصادية التي يتخذها الانقلاب العسكري في مصر.

ارتفاع معدلات الطلاق والخلع والعنوسة مؤشر علي غياب لجان الصلح التي كان يشرف عليها كوادر الجماعة، بل وأسسوا مدارس لتخريج محكمين عرفيين محترفين. ووصلت معدلات الطلاق في مصر إلى 260 حالة يوميا، وما يربو على 250 ألف حالة سنويا، بمعدل 4 حالات طلاق كل دقيقة بحسب التقديرات الحكومية. آلاف من تلك الحالات كان يمكن تفاديها إذا تدخل فيها رجل حكيم يستطيع أن يدير دفة التصالح بين الزوجين. إلا أن هذا الرجل الحكيم يقبع الآن في زنزانة رطبة تدق عظامه برودتها.

كذلك فإن ارتفاع معدلات الجريمة، والانحراف القيمي، وظهور جرائم أخلاقية لم يكن يعرفها المجتمع المصري المتدين بطبعه دليل علي غياب الدور الوعظي والإرشادي الذي كانت تقوم به الجماعة عبر قسم نشر الدعوة، أو من خلال تربية الأجيال في المساجد والجامعات عبر لجان الطلاب والثانوي والأشبال. ولا أنسى أثناء دراستي الجامعية، حيث نظم طلاب الإخوان المسلمين حملات أخلاقية لمواجهة الزواج العرفي والتحرش والاختلاط والتدخين وتعاطي المخدرات، وغرس قيم وسلوكيات قويمة مثل العفة والكرم ودفع الظلم وغيرها.

انخراط الأجهزة الأمنية لمواجهة الضغط السياسي ضد معارضي الانقلاب بالعصي الأمنية، وتحويل نشاط تلك الأجهزة إلى ملاحقة عناصر وكوادر الجماعة وإهمال الأمن الجنائي الذي استفحل خطره على المجتمع المصري، فزادت معدلات السرقة بالإكراه والخطف والقتل وارتفعت مستويات الفساد والرشوة. فبحسب إحصائيات الأمن العام هناك ما يقرب من 10 ملايين حكم قضائي جنح وجنايات تم تنفيذ 5 ملايين منها في عام واحد.

ارتفاع معدلات الطلاق والخلع والعنوسة مؤشر علي غياب لجان الصلح التي كان يشرف عليها كوادر الجماعة، بل وأسسوا مدارس لتخريج محكمين عرفيين محترفين. فوصلت معدلات الطلاق في مصر إلى 260 حالة يوميا!

النظام العسكري الانقلابي تجاهل مشكلات المجتمع الملحة وركز كل جهوده في مشروعات وهمية للحصول علي شرعية شعبية أو بناء جبهة سياسية مؤيدة. فضلا عن أن قراراته الاقتصادية كانت سببا في تزايد الأزمة الاقتصادية فارتفعت متطلبات الزواج فانتشرت العنوسة. وزادت الضغوط على أرباب الأسر ماديا، فانتشرت المشكلات الأسرية وأكثرها الطلاق. انتشرت القيم السلبية وظهر التحرش بشكل لافت وانتشرت بيوت الدعارة مع تقرب العسكر من أهل الفن الذين يرافقوه في كل حركة.

انتشرت البطالة وزادت حدة الفقر مما أدي لاختفاء الطبقة الوسطي تماما، وأصبح هناك طبقتين رئيسيتين في مصر، الأولي طبقة تحت حد الفقر ثم الطبقة الثرية. ارتفاع التضخم وما تلاه من ارتفاع حاد في الاسعار مع ثبات الدخول بشكل كبير أدي لانقراض طبقة كبيرة من المصريين لا يستطيعون العيش بكرامة رغم أماكنهم ومهنهم الراقية. فقط من ينجو من هذه الطبقة هم من يسيرون في فلك العسكر. خسر المجتمع كثيرا بمخططات العسكر التي لا تهدف لصالح الشعب بقدر ما تهدف لحماية نفسها وإحاطة نفسها بالمؤيدين. وتغدق المؤسسة العسكرية الأموال على عناصرها وأنصارها خارج المؤسسة لضمان ولاءهم المستمر.

النظام الانقلابي لا يترك مجالا للمصريين للتبرع من أجل التكافل. فانتشرت حملات صبح علي مصر بجنيه، وصندوق تحيا مصر. يحاول جمع الأموال والتحكم في إنفاقها كيف يشاء. ما يقرب من 5 آلاف جمعية خيرية تابعة للإخوان أغلقها العسكر واختفت خدماتها واستولي على أموالها. مئات المستوصفات الطبية ومراكز الدروس التعليمية ذات الأجر الرمزي، وآلاف القوافل الطبية والبيطرية التي كان الإخوان ينظمونها فككها العسكر محاولا ملأ الفراغ إلا أنه فشل.

والسؤال المحوري هنا: هل يعوض العسكر المجتمع المصري عن غياب الإخوان المسلمين عن ساحة العمل الاجتماعي والتطوعي؟ لا أعتقد أن ذلك ممكن في المدي القريب أو البعيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.