شعار قسم مدونات

هل تنتهي مهنة الصحافة؟

مدونات الصحافة

هل تنتهي مهنة الصحافة بشكلها التقليدي إلى الأبد؟ وهل يجب على الصحفيين البحث عن مهنة جديدة؟ أم يمكن أن يطوروا من أساليبهم ومهارتهم للتوافق مع سهولة استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي، ودخول ملايين الناس لممارسة المهنة؟ كتابة وتحليلا ونقلا للأخبار، بل وتأثيرا في مجريات الأحداث كما حدث في أيام الربيع العربي. أكتب هذه السطور وأنا أحاول أن أستجمع أفكاري المشتتة لكتابة هذا المقال بعد انقطاع أكثر من عامين عن كتابة مقال أو تقرير، اللهم إلا من نص فيلم طويل سوف يعرض خلال أسبوعين، استغرق الإعداد له بحثا وإعدادا وتصويرا عام كامل، بمشاركة فريق لا يقل عن ١٢ شخصا، لا تستغرب إذا عرفت أن ذلك الفيلم مدته ٤٧ دقيقة فقط.
 

يترافق مع ذلك الانتشار السهل للولوج لمواقع التواصل الاجتماعي عبر أجهزة الجوال والتابلت والكمبيوتر، واضمحلال تام للقراءة عبر الصحف ومشاهدة التلفزيون وحتى الذهاب إلى السينما، ولم يصمد حتى الأن في الصراع إلا الإذاعة

استفدت بالتأكيد كما استفاد غيري من وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها كما أفادتني، أغرقتني في حالة من عدم التركيز، فأغلب إنتاج هذه الوسائل ضحل رغم كثافته، عليك أن تتعامل معه كله، حتى تصل إلى ما يمكن أن تستفيد منه، معلومة أو حدثا جديدا، ولعل أبرز الاستفادة غير المباشرة، هو تلك الحميمية التي تجدها من الأصدقاء والمتابعين، الذين يصعب أن يتجمعوا معك في صعيد واحد وتتبادل معهم الأخبار.

 

يترافق مع ذلك الانتشار السهل للولوج لمواقع التواصل الاجتماعي عبر أجهزة الجوال والتابلت والكمبيوتر، واضمحلال تام للقراءة عبر الصحف ومشاهدة التلفزيون وحتى الذهاب إلى السينما، ولم يصمد حتى الأن في الصراع إلا الإذاعة التي ما زالت تحظى بقسط من الاهتمام والمتابعة لدى قائدي السيارات. فعدد من أبرز وأعراق الصحف في العالم توقفت عن الطبع واتجهت إلى النشر الإليكتروني عبر الإنترنت.

 

دخل على خط مواقع التواصل الاجتماعي الملايين، كتابا للرأي، ومحللين لمعضلات القضايا الخطيرة، لا ريب أن الأنية والمباشرة في نقل المعلومات جعلت مستخدمي الانترنت أكثر إلماما بالمحيط المحلي والدولي، لكنه إلمام القشور لا التمكن. فقد أظهرت نتائج استطلاع للمؤشر العربي لعام ٢٠١٦ أن ٨٢٪ ممن شاركوا في الاستطلاع لديهم حسابات على الفيس بوك، و٣٣٪ لديهم حساب على تويتر، و٢٣٪ لديهم حساب على إنستغرام. الاستطلاع الذي شارك فيه نحو ثمانية عشر ألف شخص كشف مدى قوة وسائل التواصل الاجتماعي، كيف لا وهي كانت المحرك الأساس في الربيع العربي في تونس ومصر ثم سوريا واليمن، ومثلت بديلا عن الإعلام الحكومي وشبه الرسمي، ووسيلة تواصل شعبية واسعة الانتشار. فمن النادر أن تجد كاتبا من غير محترفي الكتابة يمكن أن تقرأ له في ملف ما أو قضية معروفة، شيئا يمكن أن يضيف لك جديدا، فالكل استسهل فتح صفحة على الفيس بوك، وملئها قصا وتلزيقا من هنا أو هناك، ثم نشرها وبعثرها على الجميع.

 

ستظل الصحافة مهنة باقية تتطور مع تنامي وسائل الاتصال، ولن يستغني الناس عن الصحفي، فما زال الصحفي يحتفظ بأدواته الخاصة في البحث والتحليل والكتابة بشرط أن يعمق ويتعب ويصبر على إنتاجه

أمام هذا الوضع حاول صحفيون وكتاب – وأنا واحد منهم- مسايرة هذه الوضع الجديد بالاتجاه إلى الصحافة التلفزيونية، كتابة وإخراجا وإنتاجا، لمحاولة تقديم نموذج جديد، وحاول غيري المسايرة والتماهي أكثر بصنع برامج وكليبات قصيرة على الانترنت تؤدي نفس الفكرة من الكتابة في الصحف الورقية ولكن بالفيديو.

 

 وأصبح لزاما على الصحفي اكتساب مهارات جديدة في التعامل مع كاميرات الفيديو والتصوير ومعرفة أساسيات الإضاءة وأحجام كادرات التصوير ومبادئ الإخراج والمونتاج واستخدام الموسيقى والجرافيكس، وهي أمور لو تعلمون عظيمة، من المفترض أن يقوم بها فريق كامل. وتحول الأمر إلى وجوب أن يحصل المراسل الصحفي للصحيفة الورقية على ملفات فيديو مصورة ترفق مع تقريره أو تحقيقه على موقع الصحيفة الإليكترونية.

 

في النهاية ستظل الصحافة مهنة باقية تتطور مع تنامي وسائل الاتصال، ولن يستغني الناس عن الصحفي، كما لن يستغنوا عن الطبيب والمهندس والمزارع، فما زال الصحفي يحتفظ بأدواته الخاصة في البحث والتحليل والكتابة بشرط أن يعمق ويتعب ويصبر على إنتاجه وإن استغرق الموضوع الواحد في إنتاجه سنوات، وعلى وسائل الإعلام بحث إمكانيات بناء مواقعها في العالم الافتراضي الجديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.