شعار قسم مدونات

هل تكرر روسيا السيناريو السوري في ليبيا؟

مدونات التدخل الروسي فى ليبيا

تناقلت بعض المنابر الإخبارية معلومات تفيد بوجود قوة خاصة روسية في المنطقة الغربية المصرية بالقرب من الحدود الليبية، واتجهت تلك المصادر إلى تحليل مفاده احتمال تدخل روسي وشيك. وتحدثت تلك المواقع عن قلق أمريكي من الوجود العسكري الروسي، خوفا من سيناريو شبيه بما وقع في سوريا على أيدي الروس.  ومع نفي السلطات الرسمية إلا أن مؤشرات عدة تؤكد أنهم في مسار تدخل، ولكن لا يريدون الكشف عنه.

 

بداية ينبغي التأكيد أنه وحتى اللحظة لا يبدو أن هناك اتجاها واضحا لما يمكن أن تكون عليه السياسة الروسية حيال ليبيا، حتى في حال الاستمرار في دعم حفتر، فالتواصل مع حفتر واستقباله على ظهر بارجة روسية وفي مقر وزارة الدفاع في موسكو ليس كافيا للحكم بأن موسكو تنحو في ليبيا ما نحته في سوريا. فقد استقبل المسؤولون الروس رئيس المجلس الرئاسي، والمواقف الروسية المعلنة تؤكد على انحياز موسكو للتهدئة والتوافق ودعم مخرجات الصخيرات.

 

برغم العجز الأوروبي، وعدم نجاح الاتحاد الأوروبي في تبني سياسة أوروبية موحدة، ورفض العواصم الأوروبية التسليم لبروكسل فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، فإن هناك قلقا أوروبيا كبيرا من أن تتدخل موسكو في ليبيا على غرار تدخلها في سوريا

السياسة الروسية تجاه ليبيا سيحكمها محددات عدة أهمها:

– استكمال المقاربة الروسية للأزمة السورية بالشكل الذي يحقق لموسكو أهدافها من تدخلها العنيف، إذ لا تزال أمام المقاربة الروسية تحديات كبيرة وذلك بعد ردة الفعل الدولية المستنكرة للانتهاكات الخطيرة التي وقع فيها الروس. أيضا هناك صعوبة في تجاوز المعارضين للتوجه الروسي لملف التسوية، وبالتالي فإن فتح جبهة جديدة في منطقة حيوية بالنسبة للأطراف الغربية المعارضة لروسيا سيكون صعبا ويعود على روسيا بالمشاكل ليس في ليبيا بل حتى في سوريا.

 

– لم يتبين إلى الأن اتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة حيال الأزمة الليبية، وبرغم مغازلة الرئيس ترمب لروسيا في حملته الانتخابية، وتعيينه روزيرا للخارجية مقربا من الروس، إلا إنه سيكون من المتعذر إطلاق يد روسيا في ليبيا وذلك لرفض الدوائر الأساسية والفاعلة في صناعة القرار الأمريكي كوزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي والمخابرات لتمدد روسيا في منطقة الشرق الأوسط. فالسياسة الأمريكية تنحرف أو تتراجع لكنها لا تترك فراغا كبيرا يترتب عليه تحولات استراتيجية تهدد مصالحها ومصالح حلفائها.

وقد ظهر استياء دوائر صناعة القرار الأمريكي من انسحاب أوباما من التأثير في الساحة الدولية، وتحدثت صحيفة "الفايننشل تايمز" اليومين الماضيين عن جدل محتدم وخلاف واضح بين مستشاري الرئيس الجديد في البيت الأبيض وفي المجالس القومية التابعة له حول السياسة الخارجية والسياسة التجارية، حيث يواجه من يمكن أن نطلق عليهم "الشوفينيون" في إدارة ترمب مقارعة من قبل من وصفتهم الصحيفة بالمعتدلين حول الانعزال أو مصادمة الحلفاء الأوروبيون في الملف الاقتصادي والتجارة البينية، مما يعني أن التعويل على التقارب الأمريكي الروسي بعد مجيئ ترمب لن يكون على حساب توجهات الدوائر الفاعلة والتي لا يمكن أن تقبل بتوسع وتمدد روسي جديد في المنطقة.

 

– برغم العجز الأوروبي، وعدم نجاح الاتحاد الأوروبي في تبني سياسة أوروبية موحدة، ورفض العواصم الأوروبية التسليم لبروكسل فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، فإن هناك قلقا أوروبيا كبيرا من أن تتدخل موسكو في ليبيا على غرار تدخلها في سوريا، وكان هذا هو الداعي لزيارة وفد أوروبي لموسكو الأيام الماضية، وذلك للاطلاع على الموقف الروسي وحث صناع القرار الروس على عدم تكرار ما وقع في سوريا. وبرغم عدم قدرة الأوروبيين على الضغط على موسكو، إلا إن قلقهم الشديد على مصالحهم في ليبيا سيكون عاملا مهما لحث الحليف الأمريكي لموازنة أي تدخل روسي محتمل.

 

إذا قد يكون من المستبعد أن تكرر موسكو ما فعلته في سوريا بدعمها خليفة حفتر والجيش المأتمر بأمره لبسط سيطرته على كامل تراب ليبيا، وضرب كل القوى المناوئة له من خلال غطاء جوي مكثف ودعم لوجستي واسع، ليصبح لروسيا الكلمة الطولى في البلاد. لكن من المحتمل أن تلعب روسيا دور المشاكس للغرب بالشكل الذي يعزز من موقفها التفاوضي حول الملف السوري والملف الإيراني، وحول ملفات أخرى منها نفوذ موسكو في بعض مناطق أوروبا، والعقوبات المفروضة على روسيا، وفي هذا السياق يأتي التسليح الروسي الخجول لحفتر عبر بوابة عربية. وعلى هذا المسار يجري الدعم المباشر لكن المحدود والذي كشف عن نفسه في مواجهات الهلال النفطي بين قوات حفتر وقوة سرايا الدفاع عن بنغازي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.