شعار قسم مدونات

فليذهب "العاديون" إلي الجحيم!

البطالة .. عقبة في وجه التنمية
(أنت شخص عادي جداً، لا أجد فيك ما يجعلني أقبل توظيفك، و لن تُقدم لي أي جديد) تلك هي إحدى الجمل التي من الممكن أن تسمعها في إحدى مقابلاتك الوظيفية إن كنت تنتمي للـ(عاديين) لتسأل نفسك هل كوني (عادي) ينقصني؟ تعريفاً للشخص العادي أولاً.. هو الشخص المتوسط صاحب القدرات والمواهب العادية المحدودة، سابقاً كان الشخص العادي هو الشخص الوسط بين المتميز والمحدود، ولكن الآن يبدو أن الأمر اختلف، فلم يعد التقسيم يستدعي ثلاثة تصنيفات، بل أصبح متميزون وآخرون.

من المشكلات المستحدثة في مجتمعاتنا وتحديدا في المجال الوظيفي عدم تقبل المجتمع للشخص العادي وكأن كونه عادياً هو أمر مُخل! وعدم التقبل هذا لم يقتصر على فرص العمل فقط، بل انتقل ليعكس نظرة المجتمع للشخص العادي وطريقة التعامل معه و تقييمه. وبالحديث عن الوظيفة و العمل، والتي هي أكبر معيار للمفاضلة والمقارنة في مجتمعنا، لكي تعمل في وظيفة جيدة أو لنقل وظيفة مقبولة، لابد أن تمتلك قدرا من التعليم الجامعي الجيد من إحدى الكليات المرموقة، وأن تحصل علي شهادات متعددة من "كورسات" في تخصصك من خارج الجامعة، بالإضافة إلى إجادة لغة أجنبية واستخدام الكمبيوتر بإتقان و طبعاً المظهر الجيد، وسوف تكون أي وظيفة متاحة إذا امتلكت الحل السحري ..الواسطة!


من شأن هذا الوضع اذا استمر، أن يُحولنا إلي مجتمع غير إنساني، إلي هياكل مشوهة في ثوب بشر، لقد وصلنا الي مرحلة من السوء من أجل توفير الاحتياجات الأساسية في الحياة و استمرار الوضع هو أشبه ما يكون بالانتحار

ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فلا بد أن تستمر في تطوير نفسك والعمل بأقصى طاقة ممكنة حتي تبقى في وظيفتك ولا يتم الاستغناء عنك. ويجب أن تبقى في المنطقة الآمنة التي لا تصل بك إلى مرحلة الـ "Overqualified" وتلك هي طريقة جديدة لطردك من وظيفتك واستبدالك بشخص آخر أقل منك في الخبرة و السن ليقوم بعملك بمرتب أقل. أي مع كل العمل والجهد المبذول وذلك الاستنزاف من صحتك وجهدك وحياتك، لتبقى تحت ضغط عصبي ونفسي ويزداد بتقدمك في السن، وزيادة مسؤولياتك.

لك أن تتخيل شخصا عاديا محدود القدرات والمؤهلات ومعدوم الواسطة وهم بالمناسبة الأغلبية من شباب المجتمع، كيف ستكون حالته، شخص ما يمتلك من العلوم واللغات والشهادات هو كل ما تحصل عليه من التعليم الحكومي الذي هو لا يسمن و لا يغني من جوع و لا يؤهله للعمل بأي مكان مقبول، كيف ستكون حياة ذلك الشخص؟!، و من فضلك لا تبدأ في إلقاء اللوم عليه و علي تكاسله و قلة سعيه و عدم بذله الجهد اللازم على نفسه، أرجوك لا تتبنى وجهة نظر المجتمع و تبدأ في الهجوم، فما تقدر أنت عليه مادياً و ذهنياً وحتى جسديا لا يقدر عليه غيرك.

كانت الفرص في السابق أكثر، وكانت الحياة أبسط، كان ذلك يساعد الأشخاص العاديين في أن يمارسوا عملا يتواكب مع قدراتهم و إمكانيتهم، كان الشخص المميز يتم اختياره في أماكن و وظائف أخرى تتناسب مع إبداعاته، ولكن حالياً، و في واقع محدود الفرص، صعب الظروف اختفت تلك الوظائف العادية في صورة أشبه بالانقراض، واندمجت، ليقوم شخص مميز، يمتلك القدرة على القيام بعمل خمسة أشخاص عاديين، فوقع الظلم على كلا الطرفين، على المميز، لتحمله ما لا يطيق وعلى العادي لحرمانه من الفرص.

سوء الوضع ليس فقط في استمراريته مع صعوبة الحياة، بل ما ينتج عن هذا الوضع، من خلق شخصيات محطمة نفسياً إما بسبب الفراغ والشعور بعدم القيمة والعذاب من نظرة المجتمع لهم، لكونهم عالة لا يصلحون لأي شيء، ومن التعب والجهد والضغط النفسي والإحساس بالعجز عن الإبداع، من شأن هذا الوضع إذا استمر، أن يُحولنا إلى مجتمع غير إنساني، إلى هياكل مشوهة في ثوب بشر، لقد وصلنا إلى مرحلة من السوء من أجل توفير الاحتياجات الأساسية في الحياة واستمرار الوضع هو أشبه ما يكون بالانتحار.. وللأسف لم نرصد أية مؤشرات على أن التغيير قادم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.