شعار قسم مدونات

الصوملة في عام 2017

blogs - رئيس الصومال
من الصومال أكتب.. حيث الأمل يتدفق وراء المعاناة من خلال عرس ديمقراطي عشناه –بداية الشهر الماضي- في انتخابات رئاسية اتسمت بالنزّاهة والشفافية! وقد تمّ عقدها في -مقديشو- عاصمة الوطن الذي استضاف الأوائل من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم- الذين فرّوا من أبناء عمومتهم في مكّة! وأصبح منبعا هاما تُمتصّ من حضارته العريقة التي تأصّلت جذورها، ذاك الوطن الذي قال عنه ابن خلدون بأبهى الأقوال والحكايات التي لم تندثر بعد! من هضاب هرر وتلال دردوا ينحدر اسمه إلى المحيط الهندي حيث منتهى الجمال الأفريقي!

الصومال الكبير"شقيق العروبة" الذي قيل عن عروبته كلاما كثيرا دون أن يقدّم له أيّ شيء يذكر! بل ولم يُحظ بأيّة زيارة عربيّة عالية المستوى حتى كتابة هذه السطور! فضلا عن إيصالهم بمساعدات جذريّة تسدّ احتياجاتهم إلّا فيما جاء نادرا بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان– هو وأفراد من عائلته- الذي أصرّ على مجيء العاصمة، وقد هاجمت حركة الشباب نفس الفندق الذي أعدّ له قبيل مجيئه بساعات! ذاك الوطن الذي يشبه تماما بيوسف عليه السلام الذي أُلقي في غيابت الجبّ حقدا وحسدا؛ ليستريحوا عنه! لكن الأقدار شاءت بأن ينهض من جديد ويصبح ملكا تسجد له أحد عشر كوكبا –فأكثر- من ضمنها الذين اتفقوا على وأده!

عن الصومال أحكي الذي بات –في الآونة الأخيرة- عرضة للسخرية والاستهزاء في الإعلام العربي والغربي على السواء، حتى صارت "الصوملة" مثل يضرب به كلّ شيء قبيح! وقد يصدق عليهم قول الشاعر: قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة.. حتى ألمّت بنا يوما ملمّات.

أصبح للصوملة نكهة خاصّة عنوانها التقدّم والعمران والسلام والمحبّة وجبر خاطر المواطن الذي ألمت به النوائب لفترة من الزمن مليئة بالدمار والعويل!

مقديشو التي تأسست في القرن الثاني الهجري على الأرجح وأصبحت مركزا هاما لبعض الممالك الإسلامية، بدأت تتعافى عن الحروب الأهلية والإرهابيّة، واحتلت مركزا لابأس به بين المدن الأكثر نموا في عام 2016م ! وبلغ عدد سكّانها عام 2015 حوالي مليوني نسمة رغم الصراع الدائر بين جبابرة لا يأبهون لحياة أناس يرونهم مجرد أعداد أو طبقات سلالم يوصلهم إلى المكان المنشود، مما أودى بحياة شبّانها وصار بعضهم يبحثون منفذا بين تلك الأحداث الدامية التي رسمت خريطة سوداء على جبينهم، بدءا بمرحلة طفولتهم إلى الشباب والأيام التي تليها.

وصارت ذكريات طفولتهم تعجّ في رأسهم بملامح وطن لن يرضيهم حاله عنوة، وتارة عن طيب خاطر طالما لم يجدوا مفرّا من واقعهم الأليم! ولم تكن اللحظات الجميلة في ذاك العقد من الزمن إلا ظلاً يغيب ما إن غربت الشمس، أو ليلا حالكا يزول ما إن انبلج فلق الصبح! يملكهم القلق على أحلامهم التي لا تزال تختفي في أبعد زاوية من زوايا وطن تحتضنه الحروب والدماء كالسيول الجارفة التي تنصبّ من كل حدب وصوب وكأن لا قبل لها، وقد تجعل صرخاتهم من الكواسر والوحوش الضواري تنزل من أعالي الجبال تعاطفا ورحمة بهم في ذاك العقد من الزمن! حتى استعادوا حياتهم وأثبتوا وجودهم من جديد -بشق الأنفس- كجثة دبّت فيها الحياة مع بداية هذا العام الجميل!

الانتخابات الأخيرة التي يمكن القول بأنها كانت انتفاضة شعبية- تمّ انتخاب محمد عبد الله فرماجو رئيسا للبلاد، وقد حظي بتأييد شعبيّ ملحوظ في الوطن، بل وقد هزّ انتخابه بعض الدول الأفريقيّة كالجارّة –كينيا- حيث شهدت شوارعها مظاهرات شعبية عقدها النازحون تحت جزمة حكومة لن يدخل قلبها السرور بما يحدث! شعور لا يمكن أن يصفه مغترب –مثلي- عبر الأقلام التي تتقطع تتعثر والمشاعر المضطربة، وكلاهما يعجزان عن الإبانة والتعبير مهما حاولت إبداء رأيي وإبراز قوتي أمام الورقة ويمثلني قول الشاعر: إنّي لأبصر بعد اللّيل فجر غد .. تشع أنواره في السّهل والجبل.

الأمر الذي يشار إليه بالبنان، هو قبول نتيجة الانتخابات وتسليم السلطة بصورة حضاريّة يجعل "الصوملة" مثالا يحتذى به في المحيطين العربي والأفريقي، وليست المرة الأولى التي تصبح الصومال مثالا مشرقا للأفارقة من حيث تبادل السلطة، بل في أيّام الرئيس الأول للبلاد آدم عبدالله تم تداول السلطة بطريقة سلميّة، وامتدّت العادة إلى أن وجد–على قيد الحياة- رؤساء كأولئك!

ورغم الآهات التي لازمتنا ما يقارب ربع قرن، إلّا أننا عدنا إلى الساحة من جديد واستطعنا أن ننتخب أحرارا؛ من نرى أنّه قادر على أن يقود زمام الوطن نحو واحة السعادة، وذلك في ظلّ وجود بلاد أفريقية وعربيّة آمنة تطلع وتغرب عليهم الشمس سنينا مديدة ورئيسهم واحد لا يتغيّر! أدّت إلى بروز أصوات عربية وأفريقية تواقة لتداول السلطة في أعراس ديمقراطية؛ تطالب "بالصوملة" هذه المرّة، وهو ما جعل "للصوملة" نكهة خاصّة عنوانها التقدّم والعمران والسلام والمحبّة وجبر خاطر المواطن الذي ألمت به النوائب في تلك الفترة المليئة بالدمار والعويل!
كل عام والوطن جميل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.