شعار قسم مدونات

نافذة على تفكيرنا

blogs-mind
تقتضي الطبيعة البشرية مٌنذ بداية الخلق وحتى يومنِا هذا تقَبٌل موضوع أن الناس مستويات، وهٌنا لا أعني مٌستويات بالمعنى التعَصٌبي الهمجي والذي يعني أفضليّة، بل بالمستوى الفهمي والعقلي، أي بمعنى أدق، لن تجِد كٌل الناس تفهم القضية الواحدة من نفس المنظور، فلكٌل شخص وجهة تفكير ونافذة مٌستقلة يٌطِلٌ بها على القضية، فمن الناس من ينظٌر من باب العاطفة أو الدين أو التاريخ أو العصبية القبليّة أو مع القطيع أو أو أو…

ولا غٌبار على تفكير كٌلّ ما ذكرت إن كان تفكيراً لا تعصٌبياً، لكِن الموضوع هو أدق من أن ننظٌر من أي باب غير عقلاني أو غير منطقي أو غير دقيق لقضيّة حساسة وتمس المصلحة العامة بشكل مٌباشر، فكما يٌقال، تنتهي المصلحة الشخصية عندما تبدأ مصلحة الجماعة. وليتنا نٌدرك جميعاً بعيداً عن كٌل العواطف أن ما يعصِف في أوطاننا من تردي الأحوال الاقتصادية والمديونية والبطالة وغيرها لم تكٌن وليدة الصٌدفة، ولم تكٌن بسبب سوء الأحوال العالميّة، فبينما تنمو دول بشكل مٌتسارع وتتقدم في الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والثقافة و المواصلات ووصولاً إلى الفضاء الخارجي وتطور علم الأجنة، تقبع أوطاننا تحت كهوفٍ مٌعتمة ولا يصِلٌها النور، و اتخذت مسار النمو بالاتجاه المٌعاكس أي نحو الأسفل!

إن تغيير تفكير مجتمع أو جيل لأمرٌ صعب، ولكنهٌ ليس بالمستحيل، ويجب في هذا السياق التطلع لطٌرق جديرة بالتنفيذ عبر أنظمتنا التعليميه والتربوية.

وما السبب؟ – من وجهة نظري هو قالب التفكير الذي يٌقيّد عقولنا، والمسار الذي يتم انتقائه لنا وتقييد حريتنا فيهِ منذٌ الولادة وحتى الشباب، لنجد أنفسنا في مٌنتصف طريق لا نٌريده ولا نرغبه، ولا نستطيع التراجع ولا التقدم، فتٌسلب منا روح الرغبة والإرادة، ونقف مكتوفي الأيدي ما بين ما نرغبهٌ ونريده ولكن لا نستطيع تحقيقه، وما بين الطريق الحالي الذي نحن فيه، لذلك لا نبدع ولا نتطور فيما نحن فيه وننتظر الوقت المناسب للوثوب من وضعنا الحالي وحاضرنا الحزين إلى مكان مجهول هرباً من الواقع.

مٌنذٌ صِغرنا ونحنٌ نسير مساراً باعتقادنا أنهٌ الأفضل! كان مجموع تحصيل العلامات هو أهم من المعلومة التي سنحفظٌها! وسٌرعان ما يتِمٌ تفريغها تلقائياً من عقولنا بعد الامتحان؛ لترى طالباً جامعياً يدرٌس تخصٌصاً أدبياً لا يعرِفٌ شيئاً في الإحصاء؛ لأنها برأيه غير مٌهمه -طبعاً ليس الجميع بل الأغلب- !

القوالب التي تٌقيّد تفكيرنا ترفٌض التغيير، ومجتمعنا يٌحارب التغيير بِكٌل أشكاله، ولا يقبل دخول أفكار أو طبيعة تفكير جديدة، بل يصِفونها بغريبة الأطوار، وهٌم بذلِك يٌذكرونني بقصة سيدنا "إبراهيم" عندما رفض قومه ترك عبادة الأصنام، وعبادة الله تعالى، ورٌغم علمهم المٌطلق وتصريحِهم الصريح في القرآن أن آلهتهم لا تعقِل، ومع ذلِك رفضوا ترك قالب العبادة، والذي توارثوه من آبائهم و أجدادهِم مع علمهم بالحق!

وإنها لآفة مٌخزية أن تعلم الحق وتسير على الباطِل تعصٌباً، فالإنسان في هذه الحالة تنافى مع الطبيعة للجنس البشري بأنه يعرف ويعقِل الحق، لكِنّهٌ يسير في الباطِل! وعلى الرٌغم من أن زماننا الحالي أصبحت فيه المعلومة لا تحتاجٌ إلى جٌهدٍ في البحث عنها، ولا تحتاج إلى عناء السفر أو تقصّي الحقائق، لأن وسائل التكنولوجيا سهّلت هذه المٌهِمة وجعلتها في مٌتناول الجميع، فلا حٌجة في ذلك! لكن في المقابل نحنٌ بعيدين كٌل البعد عن الحقيقة واليقين، بل نحن نجهل أين تقع؟ وأين يٌمكن إيجادٌها، وهذا هو الضلال الحق الذي نسير فيه، بحيث نمتلك ما نريد من المعرفة والمعلومات، لكننا نجهل الحقيقة واليقين في الواقع!

إنها لآفة مٌخزية أن تعلم الحق وتسير على الباطِل تعصٌباً، فالإنسان في هذه الحالة قد تنافى مع الطبيعة للجنس البشري، لأنه يعرف ويعقِل الحق، لكِنّهٌ يسير في طريق الباطِل!

لذلِك أعودٌ للنقطة التي ذكرتٌها في بداية الحديث عن مستويات التفكير، والمنظور العام لأي قضية قيد الطرح، أن يكون الإنسان العاقل منصِفاً في التفكير في أية قضية تمٌر عليه، أن ينظر لها بأكثر من اتجاه، ويٌطل عليها بأكثر من نافذة، وذلك للإنصاف أولاً وللبحث في نواحي الحقيقة المطلقة ثانياً. إن تغيير تفكير مجتمع أو جيل لأمرٌ صعب، ولكنهٌ ليس بالمستحيل، ويجب في هذا السياق التطلع لطٌرق جديرة بالتنفيذ عبر أنظمتنا التعليميه والتربوية، وابتكار أساليب أكثر فاعلية وأكثر ملائمة للعصر الحالي، لخلق جيل أكثر وعياً لهذه الآفة، ومع أنني شديدة القلق من المستقبل، إلا أنني أشعر بدفء التفاؤل الذي يتولد من فئة شبابية واعية تبحث دوماً عن الأفضل وتسعى جاهداً للتقدم وردم التخلف ومحو آفات العصبية والهمجية.

وأخيراً وليس آخراً، إن أهم ما يٌميز المنطق الذي يٌرشد كل إنسان هو المبادئ والقيم المترسخة في داخله، والتي زرعها الآباء، فلنأخذ نظرة عميقة داخلنا ونٌراجع ما فيها من مبادئ راسخة، وندرك ماهيتها، كي لا يتم توريثها الى أولادنا إن لم تكٌن صائبة، ولنقوم بنظرة شاملة على ما نٌلقنهٌ لأبنائنا، وليس عيباً أن يتعلم المٌقبلين على الزواج أو الآباء أساليب تربية حديثه وفعّالة وهادفة لخلق جيل أكثر وعياً وأدراكاً للنهوض بنا إلى عتبات التطور والتقدم والحضارة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.