شعار قسم مدونات

الديمقراطية في زمن التيارات الشعبوية (1)

blogs - trump
الشعبوية – كمصطلح- فيها خلاف على بنيتها التعريفية، فهناك شريحة تعرف هذا التيار من وجهة نظر أيديولوجية أو فلسفة سياسية، أو كنوع من الخطاب السياسي القائم على استخدام الديماغوجية، ودغدغة عواطف الجماهير بالاحتجاج الجماهيري لتحييد القوى العكسية (النخب السياسية). وأصل الكلمة من "الشعب" أي الاقتراب من الفئة الشعبية لكسب تحالفات سياسية. يفترض الخطاب الشعبوي التوجه المباشر إلى "الجماهير" وفق تقويم إيديولوجي للنيات والنتائج.

والخطاب الشعبوي يميل غالباً إلى العاطفة والحماس، ولا يعطي الرؤى والمعطيات؛ أي، يعتبر نوعا من استغلال تكابر النخب السياسية عن الفئة الأهم وهي الشعوب. إن هذه التيارات تزعم أن السياسة أمر سهل بإمكان الجميع ممارسته وليست حكراً على طبقة معينة، بل حتى لا ترى أن الخطاب الديبلوماسي يجدي نفعاً، باختصار، هي قاعدة شاذة من التيارات الموجودة في السياسة العالمية.

في أمريكا بعد وصول الشعبوي المثير للجدل "دونالد ترمب" إلى البيت الأبيض، بدأت أولى مظاهر (الانسلاخ) من الديمقراطية من خلال حرب إعلامية من قبل ترمب ومؤيديه على الإعلام الأمريكي.

ظهرت مؤخرا العديد من هذه التيارات على السطح السياسي العالمي، فقد أصبح مؤثرا على أنظمة الحكم ، بل تقلدت الحكم في بعض الدول الكبيرة التي تنتهج منهج "الديمقراطية"، علماً بأن هذه التيارات لا تعترف بالديمقراطية المتفق عليها عالمياً كبسط الحريات وحرية التعبير وعدم تكميم الأفواه. لقد تحدث الكثير من النخب الإعلامية عن خطورة صعود هذه التيارات على الصحفيين والإعلاميين لمجرد الانتقاد أو وجود رأي مخالف لهم.

لقد قيل بأن ظهور هذه التيارات بناء على عدة أسباب، من بينها بروز ظاهرة الهجرة واللجوء إلى الدولة وضيق شريحة منهم، بالإضافة لضيق العمال والنقابات المهنية من بعض القوانين والتشريعات، بالإضافة إلى وجود انقلاب لسياسة اقتصادية ليبرالية إن صح التعبير، وسياسات التقشف المالي وقلة الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى النزعة القومية والدفاع عن الهوية الوطنية، والاستهزاء بموضوع حقوق الإنسان.

وتواجه "الليبرالية الاقتصادية" في أوروبا وأميركا، مخاطر البقاء وسط الهجمة الشرسة من قبل اليمين المتطرف والتيارات "الشعبوية البيضاء" التي تتنامى جماهيريتها، مع انحسار الرأسمالية بوجهها الانفتاحي المتمثل في تحرير الأسواق والاستثمار والتجارة وفتح الحدود لتدفق السلع بين الدول.

ففي أمريكا بعد وصول الشعبوي المثير للجدل "دونالد ترمب" إلى البيت الأبيض، بدأت أولى مظاهر (الانسلاخ) من الديمقراطية من خلال حرب إعلامية من قبل ترمب ومؤيديه على الإعلام الأمريكي، بل وصل الحال إلى كيل الاتهامات لهم بالخيانة والعمالة. ظهر أيضاً من خلال تغير السياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية وعلاقاتها الخارجية من خلال دعم أعداء الأمس (روسيا)، وإظهار العداء لأصدقاء أمريكا القدامى كالسعودية واليابان وكوريا الجنوبية ولو بصورة غير مباشرة.

برز جليا من خلال حظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية رغم مخالفة هذا الحظر للقوانين واللوائح الدولية القائمة أصلا على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وعدم تنفيذ سياسة الكيل بمكيالين، وتمكين أسلوب العقاب الجماعي، كلها أساليب من شأنها ضعف الثقة العالمية في مسألة الديمقراطية الأمريكية التي كان ينظر لها على أنها المثال الأفضل لها في العالم. في المقال القادم نتحدث عن التيارات الشعبوية في أوروبا ومدى تأثيرها على سير العملية الديمقراطية في دول البلقان وأوروبا عامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.