شعار قسم مدونات

الدقامسة.. المتحدث الرسمي

blogs - daqamseh

نحن الشعب، لا نُجيد لغة السياسة الصعبة، ولا نُتقِن تنميق الكلام وترتيبه وتزيينه، وإذا تحدثنا أمام الكاميرات نُكثِرُ التَّلعثُمَ و"التأتأة"! نحن الشعب لسنا على درجة عالية من التنظير، وقد لا نكون ضليعين بالفكر والثقافة والأدب الغربي وإلخ.. إلخ.

مبادئ تُقَال على شكل مقاطع من كلمتين!
"فلسطين حرة"، "التطبيع كذبة"، "لا وجود لدولة إسرائيل". بهذه البساطة صاغ الجندي الحر أحمد الدقامسة أفكار ومشاعر الأردنيين بكل بساطة في أول ظهور إعلامي له.

أحمد الدقامسة لم يتعلم كغيره من المتحدثين الرسميين كيف يُزَيِّنُ الخسارة، ولا كيف يبرر المواقف الضعيفة، ولا كيف يصوغ الخيانة على أنها وجهة نظر "قوية"! ولا كيف يُقنِع الشعب ببيع مبادئه مقابل دولارات قليلة، إلا أن سنين السجن العشرين لم تقتل ذلك الأردني الأصيل في داخله، الذي ومهما طال عليه الزمن أو قَصُرَ لن يغير تلك المسلمات التي تربى عليها صغيراً.

ما ميِّز الدقامسة وغيره من الأحرار هو كم أنهم أناس عاديون في النهاية، بعيدون عن التكلف، عن المظاهر، عن العبارات العميقة والخطب الرنانة.

خرج أحمد الدقامسة وقد تأخر عن ابنته التي كانت تبلغ شهراً من العمر عندما حدث ما حدث، واليوم هو ينتظر معها مولودها الجديد! إلا أن هذا لم يمنعه من أن يباشر استلام مهامه كناطق باسم الشعب، ولم يؤخر أيضاً خصومه من محاولة حجبه عمن يتوق لسماعه.

فمن إطلاق سراح متأخر في منتصف الليل، إلى منع لوسائل الاعلام من مقابلته ودخول قريته، إلا أنه ومع ذلك كله لم يتأخر عن تلك الحشود التي تجمعت لتحيي ذكرى حريته المتجددة منذ عقدين من الزمن. وأيضاً لم يتأخر عن تجمعات العزاء هناك في الكيان الصهيوني التي حزنت لفرح الأردنيين والفلسطينيين معاً هذه المرة!

كنا منذ أيام نحاول تخيُّلَ أولى كلمات الدقامسة عندما يخرج من سجنه، وكانت تُخالجنا بعض المخاوف أحياناً؛ هل من الممكن أن يكون أحمد إنساناً عادياً آخراً عندما يخرج، هل سيكون قد ندم على الذي فعله، أو هل سيكون قد واكب ما حصل من أحداث طيلة تلك السنوات أم أنه سيخرج بذات المعرفة التي دخل بها سجنه؟ أما اليوم فبتنا نعرف أن ذلك هو ما يُميِّزُ الموقف وليس ما يَسُوؤه!

اليوم ندرك كيف أن ما ميَّز الدقامسة وغيره من الأحرار هو: كم أنهم أناس عاديون في النهاية، بعيدون عن التكلف، عن المظاهر، عن العبارات العميقة والخطب الرنانة، هم ببساطة كصوت الضمير في داخلنا لا نسمعه ولكنه لا يتوقف عن تحريكنا ودفعنا للحق والصواب.

عسى أن يكون أول بيان يتحدث به الدقامسة عن زميله في النضال؛ الشهيد رائد زعيتر، والذي تناسبت ذكرى وفاته مع موعد خروج أحمد من سجنه! مؤكدة على أن الزمن لم يغير شيئاً من معادلة العداء مع ذلك الكيان الغاصِب.

أعلم أنها قد تكون مجرد أحلام؛ رؤية الدقامسة متحدثاً رسمياً باسم الشعب، أعني فهو مجرد جندي في النهاية، "لا يُحسِنُ إلا التضحية بروحه ودمه فداء وطنه وقِيَمِه"! كتبت هذه الكلمات وأنا في حافلة المواصلات، متجهاً لدوامي الجامعيّ، هذه المرة كان صباحاً آخر، كان صباحاً بعبق الكرامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.