شعار قسم مدونات

هلوسات متاجر بها

blogs - رجل مقيدة
شارع طويل، علي يميني بائع خضار ينادي: خس و نعنع و خيار، ورجل كبير أمامي لكنه يمشي عكس التيار، لا أنكر أنه أخرني و لكن عندي مبادئ احترام الكبار، و سيارات على شمالي منها الأخضر و الأصفر و كذلك العنابي. وها أنا أمشي مع أكياس فيها مشتريات، وفي جيبي بعض الفكات لأجلب ما تبقى من الطلبات.

على بعد خمسة أمتار، لربما عشرون أو حتى خمسون، ﻻ أعلم بالأمتار، و لكني سمعت بائع القماش ينادي: بعشرة دنانير الخمس أمتار، لا يهم؛ فلربما الذي أهمني ماذا يوجد على هذا البعد؟! فتاة والله إني أراها جميلة، ولو كانت أمي معي ورأتها وما تلفعت به من سواد لتمنت أن يكون لباسي في يوم زفافي وهي التي كانت تمنعني من لبس هذا اللون بحجة أنه مدعاة للشؤم والنحس واللوم، معها شخصان؛ واحد بكاميرا و آخر بسماعتان، وبيدها مايكروفونان كما في التلفاز ذي الألوان! 

أين نحن فعليا من تحرير العبودية؟ وكم بلغنا بالنسب المئوية في الاتجار بالبشرية، وهل لدينا حلولا أشبه بالجذرية؟! أتكلم ليس على سبيل أني الفتاة الغجرية و لا الإعلامية و لا الباحثة عن صف السطور السجعية.

رأيتها تؤشر صوبي، "كتت" ما على ملابسي من غبار، وأزحت عن وجهي آثار "الشحبار"، فلربما تكون في برنامج لمسابقات يربحني المليار، ثم أتت تسألني: من أنتي؟! أجبتها باحمرار: أنا أميمة، وأنتي؟ قالت: أنا إعلامية، تنقل برنامجا عن العبودية، وعن الإتجار بالبشرية، وعن أشكال العنصرية وحقوق الإنسان في الظروف العادية، ونظرية الأوضاع الاستثنائية، واللجان المنهجية والموضوعية، وما حل بالمعاهدات الدولية، وأثرها عليك أيتها البشرية.

فقاطعتها بسرعة موسوعية: رويدك رويدك أيتها الإنسية؛ فلم أفهم مما قلتي سوى عبودية، وأن هناك حقوقا في الظروف العادية، ولست ممن يعيشون في الظروف العادية، ظروفي قد تكون مسلحة أو تشردية وخطيرة، أو حتى سياسية، فأجابتني بسؤال: هل أنتي سورية؟! وأجبتها: أيتها الإعلامية، لست بسورية، وأزيحي عن فكرك هذه النظرية، ولست من الزعترية في الأراضي الأردنية، ولا جئت من مخيم في تركيا، فليس كل مشرد من الجالية السورية.

لكنني من الأقلية؛ فأنا فتاة غجرية أسعى للتحرر مما قلتي عنه "العبودية"، نشأت في بيئة شبيهة بالعائلية، أم بكلية أحادية، وأب مجهول الهوية، وأخ في المصح يتعافى من الجرعات التخديرية الهستيرية، وأخت زوجت لمجهول الجنسية، شريطة أن يحضر لنا في العيد عيدية. ثم عقدت معي جلسة حوارية بنظرة "مشفقية"، ولم أنسى كلماتها المفتاحية عندما قالت ببرجوازية: إن إعلان الأمم المتحدة الدولية أشارت لنا في المادة البدائية، على أساس الهوية القومية والثقافية والدينية واللغوية وواجب الدول المعنية باحترام حقوق هذه الأقلية، وما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.

و في الخامس من أيلول عام 1996 نشأت اتفاقية أقرتها الجمعية العامة لعصبة الأمم الدولية، وتعهدت الدول ذات العضوية فيها بمنع و فرض عقوبات على توزيع الرقيق والأقلية في مياهها الإقليمية، فأين أنتي من تلك الاتفاقية؟! وفي عام 1994 نشأت معاهدة بشأن إلغاء الاتجار بالبشر و غيرها في عام 1956 لإلغاء الرق و الرقيق إلغاء تاميا". واعلمي أن هناك 200 مليون شخص يتعرض لأشكال معاصرة للعبودية وأنها "ما زالت كالصخرة الصماء الجاثمة على ضمير الإنسانية ".

فبدأت أفكر في ذاتي، أأكمل طريقي الطويل أم أدعها تكمل هذه القصص الدولية، نريد فعلا! نريد شيئا ماديا، وبالرغم من أني حاولت أن أقاطعها مرات تكريرية، إلا أنها أبت أن تكمل تسميع المسرحية. أيتها الإعلامية، لا نريد خطابات وهمية، أو أن تكثري على مسمعي كلمة الدولية، نريد أن نرى الإجراءات المحلية في بلادنا العربية، وفي الأرض الأردنية وفي المحافظة الفلانية، وفي وفي وفي، وفي كل كلمة كنت أبتعد عنها خطوات تدريجية.

أين نحن فعليا من تحرير العبودية؟ وكم بلغنا بالنسب المئوية في الاتجار بالبشرية، وهل لدينا حلولا أشبه بالجذرية؟! أتكلم ليس على سبيل أني الفتاة الغجرية و لا الإعلامية و لا الباحثة عن صف السطور السجعية، إنما حقووقية مهتمة بهذا الموضوع و محبة كذلك للبلاغة الأدبية، لهذا سكبتها على قصة الغجرية كمثال بسيط عن الأقلية، والأوضاع الواقعية، وسلام سلام بالرائحة المسكية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.