شعار قسم مدونات

شعب الله المختار

blogs - asian
في المسجد الذي أصلي فيه معظم الصلوات، هنالك شخص من المواطنين اعتاد أن يأتي بصحبة إثنين من أطفاله وأحدهما بالكاد يمشي. جميع أنواع الازعاج سوف تراها لحظة دخولهما، كل حركة منهما كفيلة بقطع أي لحظة روحية أو إيمانية بداخلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال وصف ما يقومان به! كل هذا ربما لا يهم! لكن الملفت للنظر، أنه لا أحد أو بتعبير أدق قلة نادرة جدا من المصلين تحدث مع والدهما و حاول نصحه أو حتى ردعه ببعض الكلمات، وذلك لأسباب كثيرة لا تخفى على الجميع.

في نفس المسجد وبين نفس المصلين تقريبا، دخل شخص مهذب جدا من العمالة "البنجلاديشية" ومعه طفلة صغيرة لا أعتقد أنها تجاوزت الثلاث سنوات، طوال الصلاة لم أسمع صوتا أو حركة أو أي شيء مزعجا من هذه الطفلة البتة، بل على العكس، كانت طفلة جميلة وهادئة للغاية، لكن ثمة أمر أزعجني جدا جدا! عدد كبير لا يستهان به من المصلين قضى الوقت الذي تلا التسليم مباشرة في إمعان النظر بهذه الطفلة ووالدها بشئ من الازدراء وعدم الرضا. تنظر إلى أعينهم وهي كالسهام، ثم يُخيل لك أن أمرا ما كارثيا ارتكبته هذه الطفلة، ووالدها أحمق سمح بحدوث ذلك.

تهدف المناهج  الدراسية في بلداننا -بدافع سياسي- أن تربطك بوطنك عبر تجسيد وجهة نظر وحيدة وعنصرية تجاه الآخر ونبذ غيرها من وجهات نظر واختلاف حول موضوع معين.

بالنسبة لي في كلا الموقفين لم يعجبني تصرف الوالدان؛ فالأطفال الصغار محلهم في البيت لكن العنصرية والنظر للآخرين من برج عاجي أمر كريه و مقيت لأبعد حد، لماذا التفاوت في ردة الفعل؟ مع أن الأول سبب إزعاجا واضحا. متى نعرف أن المقيم من بني آدم، ومثله مثلنا؟! متى نضرب على مشاعرنا و نوقظها حتى تحس بغيرها؟! متى يكون الدين سلوكا وواقعا نعيشه بدلا من أحرف نسطرها و كلمات نزعج بها الآخرين!

في معظم البلدان العربية تحديدا الخليجية منها لا يكاد يمر يوم إلا و ترى نوعا قبيحا من أنواع العنصرية البغيضة تجاه بعض الأجانب الذين يقومون بالأعمال الخدمية أو غيرها، والتي لا تُنقِص من قدر من يقوم بها ولا تقلل منه بأي حال من الأحوال، أعلم جيدا أن في الغرب يوجد مثل هذا الأمر لكن الفارق بيننا وبينهم كبير والبون شاسع جدا: نحن مفترض أن نكون مسلمين بحق. فإذا أصبحنا نرى الفوقية بهذه الصورة وأكثر في بيوت الله سبحانه، وأثناء تأدية شعيرة عظيمة مفترض يستشعر المسلم حينها بمدى ضعفه وقلة حيلته، وأنه مجرد إنسان لا أكثر، فهذا يعني أن الأمر ليس تصرفا فرديا، والمجتمع بأسره منه براء. الأمر ليس كذلك و الشواهد كثيرة والحقيقة واحدة مرة: شعوبنا مع الآسف الشديد بها عنصرية متأصله منذ الأزل.

يحصل في مجتمعنا أن رجلاً في هذه المعمورة بلغ من العمر ما تجاوز به الأربعين مثلا تكالبت عليه الظروف و قست عليه الحياة فأضطر أن يهاجر عن بلاده، يترك عائلته و أطفاله، يذوق مرارة التعود على الصبر كل يوم من أجل أن يحصل على المال و يوفر أدنى مقومات الحياة لمن تركهم خلفه، أو بصورة أخرى لأجل أن يعيش. في وسط هذه المشاعر و الأعاصير بداخل قلب ذلك الرجل، يعمل كل يوم بمشقة وعناء. وبكل بساطة يأتي طفل ويزدري هذا الرجل ولربما اساء له. لماذا؟ الطفل نفسه لا يعلم لكنه عاش على هذا النمط: هذا المقيم أحط منا نحن المواطنين. قطعا لن يصرح أحد بهذا، لكن بداخلهم تسمع دويا ضخما لأمثال هذه الجمل. من الذي كذب عليك يا فتى وقال لك: نحن شعب الله المختار!

جذور هذه المشكلة المنافية للدين أولا و للإنسانية ثانيا وللأخلاق ثالثا ولكل شيئ جميل دائما وأبداً يعود إلى المنزل و المدرسة بلا شك. المدرسة تحديدا تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، وإن كانت هذه الجهة المهمة تم استخدامها لأهداف سياسة أبعدتها عن جوهرها الأساسي والحقيقي. عندما تهدف المناهج بدافع سياسي أن تربطك بوطنك عبر تجسيد وجهة نظر وحيدة ونبذ غيرها من وجهات نظر واختلاف حول موضوع معين، فلا نستغرب من إعادة ظهور وإحياء صفة غير أخلاقية البتة و مقززة مثل العنصرية.


كان أرسطو ينظر للعبيد في عصره نظرتنا نحن للخدم اليوم. أخي العنصري: إذا ماتت مشاعرك الإنسانية، إذا لم يصبح الدين كافيا لتهذيبك، تأمل حديث أرسطو، لعله يغير فيك شيئا ما.

في كتابه المطول عن السياسة وفي رؤيته للدولة و الأسرة، يرى "أرسطو" أن نظام الرق نظاماً طبيعياً، ويصف "العبد" بأنه (آلة الحياة) ووجوده ضرورة لتأدية الأعمال المنافية لكرامة "المواطن الحر"، والعبد في نظره هو آلة منزلية تعاون على تدبير شؤون الحياة داخل المنزل، ولا يعمل في الحقول أو المزارع أو المصانع. يضع هذا الفيلسوف تعبيرا للعبد فيقول: شخص تعينه الطبيعة، أي جملة العوامل الوراثية و البيئية و الاجتماعية.

ربما لا يتفق أغلبنا مع وجهة النظر هذه، لكن قد تتغير هذه النظرة بمجرد أن نعلم أن أرسطو يقول: "يجب على السيد أن يحسن استعمال سلطانه، وأن يتفاهم مع العبد قبل أن يأمره، بل عليه أن يكون صديقا له بقدر ما تسمح له الحال". باختصار كان أرسطو ينظر للعبيد في عصره نظرتنا نحن للخدم اليوم. أخي العنصري: إذا ماتت مشاعرك الإنسانية، إذا لم يصبح الدين كافيا لتهذيبك، تأمل حديث أرسطو، لعله يغير فيك شيئا ما.

أخيراً: أعلم جيدا أن هنالك فئة ليست بالقليلة تمثل وجها آخر مشرقا في هذه القضية. لم أتجاهلهم ولم أنساهم، ولهم منا كل الحب والتقدير، شكرا لكم على وجودكم في هذه الحياة، شكرا لكم على هذا النبل الذي عز وجوده في المجتمع. ختاما: إذا لم تحرك فيك مشاعر الآخر شيئا، فأنت لست من بني البشر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.