شعار قسم مدونات

"جوندوغدو" بلاء كل عصر

blogs-ارطغرل
شخصية مُشابهة لشخصيته طالما عانَى التاريخ مِن وجودها، وما كادت تخلو حِقبة من حقبها إلا وكان لها تأثير مباشر أو غير مباشر على مجرى التاريخ، إنها شخصية "جوندوغدو" أحد أبطال مسلسل "قيامة أرطغرل -Diriliş Ertuğrul"، الشخصية الوحيدة في المسلسل الغير واضحة وصعبة التقييم، وهو إجابة سؤال "لماذا اخترت هذه الشخصية تحديدًا؟"، وهذا ما دَفعنِي للسَرد بأرَيْحِيَّة.

فمِن خلال مُتابعتي للمسلسل علمتُ أنَّ "جوندوغدو" هو الشقيق الأكبر لـ "أرطغرل" ونرى أن هُناك فرقًا شاسعًا بين الشخصيتين فـ"جوندوغدو" يسير بمبدأ "امشي جنب الحيط وقول يارب الستر" على عكس "أرطغرل" القائد الذي لا يقف في وجه ما يقول لهُ قلبه. في مسلسل "قيامة أرطغرل" أثارَ انتباهي شخصية "جوندوغدو" والتي ما زالت تؤكد لي بمرور الحلقات أنَّ هذه الشخصية تُطابِق العديد من الشخصيات في عصرنا الحاضر.

من الطُرق الاحترافيَّة المُتقِنة لِهدم القبيلة سببهُ هو الإيمان الكامل والرضا التام عن المسؤولين بالشؤون والسياسات الداخلية والانشغال بالبحث عن الأعداء في الخارج فقط.

ترَى في شخصيته تجنُّب المُواجهة، الإنسان الذي يَصِل إلى أهدافهِ بِطرق مشروعة وغير مشروعة وحُب السيادة. شخصية تَدَّعِي الأمن والحِفاظ على نظام القبيلة (قبيلة الكايّ) -وهذا ما يتَّسِم به أصحاب الانقلاب في كل مكان- التي سادها بعد موت أبيه. "جوندوغدو" شخصية بيَّنت لنا كيفَ يُمكن للمسلم أن يضلَّ عن طريق الحق… ومن أين تبدأ طُرق الضلال، "جونودغدو" غَفِلَ عن كل الحقائق، يسير وراء عبارة "سِر بجانب الجدران وقل يارب الستر" ولكنُّه لا يدري إن كان حتى بجانب الجُدران هُناكَ مُتسع للموت!

"جوندوغدو" لعبة "كُوبِيك" المفضلة:
"جوندوغدو" إنسان ثابط الهمة، لا يعرف الطموح، يميل إلى عدم الاعتراف بالحقائق، مُفتقد لصفة القيادية، ولا يحب أن يجهد نفسه، ولا يمكن أن ينهض بأي من الالتزامات التي قد تفرض عليه، كان مغيبًا لا يتبين أعدائه من مؤيديه؛ فبالتالي منَ السهل خِداعه واستخدامه كحلقة وصل بين القبائل التركية للتشويش ولزرع الفتن في الأرض بمساعدة الوزير السلجوقي "سعد الدين كوبيك". ها هي سمات الشخصية الضعيفة في العصر الماضي، أما في عصرنا الحاضر وجود هذه الشخصية خاصة في هذا الوقت الحرج من الأزمات يشكل خطرًا كبيرًا، أشدُّ من خطر الأعداء، لأنها بمثابة نشر الفتنة في الأرض دونَ دِراية، هذه الشخصية تسعى لإفساد المجتمع أو الكيان الاجتماعي بما يسمى الآن (الدولة) وتفكيكه دون أن تعلم وهذا يسمح للمِحن والعقبات أن تتمكن من الكيان بدرجة شنيعة لا تتوقع لأن العين حينها تعمي عن رؤية الحقيقة، والنفس تأبى أن تعترف وتقر إذا أدركت وفهمت حفاظًا لماء وجهها، وهذا ما تُعانيه الشعوب العربيَّة الآن مِن زعماء الانقلاب. 

"جوندوغدو" إنسان ثابط الهمة، لا يعرف الطموح، يميل إلى عدم الاعتراف بالحقائق، مُفتقد لصفة القيادية، ولا يحب أن يجهد نفسه، ولا يمكن أن ينهض بأي من الالتزامات التي قد تفرض عليه.

أرى أنَّ من أسباب قِيام دولة رائِدة هو إلزام قائِدها بالبحث عن مَنبَع الفِتن وأساس الخيانة بالداخل وليس الخارج  فقط، فما شاهدته في المسلسل من الطُرق الاحترافيَّة المُتقِنة لِهدم القبيلة  هو الإيمان الكامل والرضا التام عن المسؤولين بالشؤون والسياسات الداخلية والانشغال بالبحث عن الأعداء في الخارج وليس في الداخل! لا أدامَ الله الانقلابات، ولا أدامَ مُخططيها!

لا تنبهروا.. فالتاريخ يُعيد نفسه الآن!
العجيب في الأمر أنَّ ما يتجسَّد في الشخصيات نراهُ في مِصر الآن عيانًا بيانًا، فشخصية "جوندوغدو" تقفُ مع مَن لهُ الحُكم والسِيادة أو بالمعني المصري "تمسك العصاية من النص". وكأنَّ العُصور تُقسم لنا أنها لن تترُكنا مُعافِين مِن هذا الفِكر العقيم والعَقل المُغيَّب. لا شَك أن هذا لا يحدُث في مِصر فقط بل في سُوريا وفلسطِين وتونِس وغيرها. العبيد في كل مكان يا سيدي! هذا البلاء أيضًا حتمًا سَيزول.

ما أَوَدُّ قَولهُ ولَفت الانتِباه إليه هو إعادَة النظر والتأمُّل بين سورتَيّ الكَهف وآل عِمران في قولهِ تعالى: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا – الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُوونَ صُنْعًا". (الكهف : 110) "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ". (آل عمران : 103) هذا المنوال ما هو إلَّا بمثابة تكرار حَوادث كل حِقبة تاريخية.

ما جَنَيْتُهُ من مسلسل "أَرْطُغْرُلْ":
ومما أثارَ إعجابي في هذا المسلسل نُقطة مُهمَّة يتغاضَى ويتغافل عنها الكثير مِنَّا وهي الإيمان والثقة بالله ثُم بالنفس مع تَعافِي الرُوح مِن اليأس واستِشعار وُجود الله في ظِل الظُروف الصعبة والمِحن. مواجَهة الأمور الصعبة بالصبر والتحمُّل وعدم الاستسلام للأمر الواقع مع الحذر مِن لُصوص الطاقة الذينَ يَسلبون القوة والإرادة والعزيمة. أيضًا مِن النِقاط المُهمَّة التي يفتقِدها مُجتمعنا هي الوِحدة والتكامُل والترابُط بين الناس أثناء الشدة، مما يُساعد على رفع نسبة احتمالية الانتصار أمام خُطط العدو التي حتمًا تبوء بالفشل حينها. يُعجبني كثيرًا تَمسُّكهُم بالقضيَّة بالرغم مما تعرضوا لهُ مِن انقلابات وأزمات سياسية وليس لهم أيّ نيَّة بالتفريط في أراضيهم أو بيع القضية.

"حينَ يحينُ الوقت : ينتهِي الكلام وتتكلم سُيوفنا". "كل شِبر يُقال فيه لا إله إلا الله فهو مِلك للمُسلمين". "مِن بعد الآن الفتحُ لنا والنصرُ لنا". كلمات من ذهب – قيلت على لسان بطل المسلسل – تبعثُ في الرُوح من جديد الشُّعور بالعِزة والفَخر والانتماء لهذا الدين العظيم. هذا المُسلسل بالنسبة لي بمثابة مصدر معلومات مُهمَّة وأُسس تربية دينية وأخلاقية وسياسية واضحة، هذا المسلسل أفضل من 100 مُحاضرة ستُعطى وكِتاب سيُؤلف!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.