شعار قسم مدونات

"بروليتاريا".. "برجوازية".. واقتصادٌ يتهاوى!

blogs - المغرب
على حين غرّة منا، وبدون سابق إنذار، استيقظنا على مجتمعات فقيرة، بالكاد يستطيع البعض فيها سد رمق عيشه، اختلطت فيها المفاهيم وعز على أهلها فهم ما يجري، اقتصاد في الحضيض، ومستنقعات من الجهل، وأقاويل عن تقدم قريب ودول نامية مر على تصنيفها هذا سنوات، اتكال دائم على الغرب في صناعة التقدم واستيراده على شكل أفكار جاهزة، أورثنا ضعفا لا مثيل له، لقد آمنا بعدم قدرتنا على الإبداع علميا، اقتصاديا، اجتماعيا وسياسيا، وعلى تحقيق نهضة شاملة، فاتسعت الهوة أكثر مع الغرب، وصارت حكاية التقدم بعيدة عن أوطاننا بسنوات ضوئية، تحدثنا لسنوات عن استراتيجيات حكومية نوعية ونمو استثنائي، فلم نجن غير السراب.

نظام تعليمي يعاني، مقررات ضخمة اعتمد فيها مبدأ الكم بدل الكيف، معلمون اختلط في إدراكهم مفهوم التربية والتعليم بالسياسة، لأنهم ما فتئوا يتحدثون عن تحسين وضعيتهم البائسة، فنسوا بالمقابل رسالة المعلم والمربي، فلم يكد أبدا المعلم أن يكون رسولا في وطني الحبيب! تلك مجرد أسطورة، تلاميذ مكرهون على قطع أميال بين السفوح والجبال ليصلوا إلى أقسام الدراسة، مغلوبون على حالهم، إذا استشهد المعلم في حديثه عن الحرية بلباس قصير على خصر امرأة سيؤمنون بحريته وسيدافعون عنها لاحقا.

تأتي الانتخابات، ثم تظهر الأرستقراطية المتوحشة من وراء الستار مدعومة بأصحاب النفوذ، لتعيد رسم التوازنات السياسية وتمنح لنفسها الضوء الأخضر لضرب الديمقراطية والشعب والحقوق والعدالة الاجتماعية. 

إذا تحدث عن مساواة مزعومة في الإرث سيصدقونه لأنهم جبلوا على حب قيمة المساواة في حلوى العيد التي كانت تقتسمها الجدة بينهم، أما الفصل فمجرد بناية قديمة، شاحبة يبدوا عليها تعب السنين وقسوة البرد التي تنهش جسدها في ليالي الشتاء الباردة، مزينة بثقوب صغير يتسلل منها البرد محدثا ضجة في الداخل تزيد صعوبة الإدراك لدى التلاميذ، وتزيد من جفاء المعلم وعدم رغبته في المواصلة، أنَّا لهذا التعليم أن يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود؟!

سياسة حكومية متعثرة، شعب ينادي بتحسين الأوضاع، يلبي نداء الوطن كلما احتاجه، يعبر عن صوته مرة في بضعة سنوات، أملا منه في غد أفضل، يتحقق باستيفاء شروط ديمقراطية حقيقية، وعدالة اجتماعية ومساواة في الحقوق بين الثلة المستقرة على أعتاب القصر والقاطنين في رؤوس جبال انقطعت عنها الحياة، وسئم سكانها من كدماتها، وتفاهات السياسة في بلاد الضعفاء.

تأتي الانتخابات، ثم تظهر الأرستقراطية المتوحشة من وراء الستار مدعومة بأصحاب النفوذ، لتعيد رسم التوازنات السياسية وتمنح لنفسها الضوء الأخضر لضرب الديمقراطية والشعب والحقوق والعدالة الاجتماعية والدستور و كل شيء، تمنح الضوء الأخضر لنفسها لتعطيل تطبيق القانون في ما يضر مصالحها وأطماعها، وتؤسس لنظام سياسي يسبح في الوحل من شدة العبث الذي يطبعه.

ديمقراطية مطلية على الجدران، وواقع فاسد يتسلل إلى كل موضع في الوطن، وحوش تكدس الأموال في البنوك بمعية الساسة الفاسدين والقضاء النائم، ملايين الدراهم تضيع هباء، فتفقد الدولة فرص استثمار وانتعاش اقتصادي كبير يعود بالنفع على ميزانية الدولة وعلى التوازنات الماكرو اقتصادية، ثم على المستثمرين والمواطن البسيط، اختارت البرجوازية تأمين ثرواتها في الخارج ومنحت عملائها من الساسة الفاسدين نصيبهم من الكعكة وراء الستار، ثم عادت إلى جحورها لتختبئ في انتظار فرص جديدة، بينما خرج السياسي العميل ليتحدث مجددا بأسلوبه المخادع عن الديمقراطية والانتعاش الاقتصادي والتنمية الشاملة ومستقبل الوطن المشرق.

الازدهار الاقتصادي الذي نسمع عنه على شاشات التلفاز لن تراه أبدا في الواقع، يكفي أن تقوم بجولة تفقدية لأحد الأحياء البسيطة في المدينة لتكتشف حقيقة تلك الصورة الوردية التي يرسمونها على شاشة التلفاز، ويتكفل بعرضها وغرسها في إدراك المواطن البسيط ذلك الصحفي الأنيق. فقراء بالجملة، شباب في عمر الثلاثين يعيشون عالة على المجتمع، لأن دولة البرجوازيين لم تستطع أن توفر لهم عملا، شيوخ يجرون عربات صغيرة مليئة بالفواكه يبيعونها بسرية تامة! و مصالح الدولة تترصد بضاعتهم وتستعد لمصادرتها في أي لحظة، يجري الشيخ المسكين في طفولته وشبابه و شيخوخته لأن مفهوم الراحة منعدم في قاموسه.

قد تعيش في بلادك حرا، لكن الأمر لا يتطلب منك الحديث عن الحقوق أو العدالة الاجتماعية، الأمر يحتاج منك فقط أن تلبس زي "البروليتاريا" وتعمل بجد لتكسب قوت عيشك دون أمل في حياة أفضل!

بنيات تحتية قديمة ومتآكلة، حفر على الطرق الرئيسية، وأزبال على الرصيف، إسمنت يزحف على أراض كانت معدة لتصير حدائق يستنشق فيه المواطن هواء نقيا، لكنها صارت عقارا بتخطيط من نواب الشعب والأمة، يأس لا مثيل له، صورة قاتمة تجعل من فكرة دخول مستثمرين جدد لتنشيط عجلة الاقتصاد مجرد مزحة تضاف إلى مزحة السياسي العميل والتقدم.

ركبت القطار في السادسة صباحا، كنت متجها صوب مدينة القنيطرة المغربية، تستطيع في هذه اللحظة استيعاب ما يدور في الخارج، عمال بزي أخضر ووجوه شاحبة، يحفرون الأرض بآلاتهم القديمة، ويتقاضون أجورا زهيدة في آخر النهار لا لشيء، إلا للبقاء على قيد الحياة.

استوعبت جيدا الدرس، قد تعيش في بلادك حرا، لكن الأمر لا يتطلب منك الحديث عن الحقوق أو العدالة الاجتماعية، الأمر يحتاج منك فقط أن تلبس زي "البروليتاريا" وتعمل بجد لتكسب قوت عيشك دون أمل في حياة أفضل" لأن مصلحة "البورجوازية" تتعارض مع فكرة المواطن الكريم، عش كما يريدون، حينها لن يسألك أحد عن دورك في الحياة وعن رأيك في مايجري في الوطن، سيمنحونك أجرا زهيدا يسد رمقك إلى الليل وسيرحلون بالنصيب الأكبر إلى الخارج لتنتهي المعادلة على الشكل التالي: بروليتاريا، برجوازية واقتصاد يتهاوى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.