شعار قسم مدونات

من يحرمك من نصفك الآخر؟

blogs - marrige
شاحبةٌ وجوههم، منكسرة خواطرهم وأصيب بعضهم في كرامته بمقتل، أعياهم مُصابهم فجلسوا في سكونٍ شاخصةً أبصارهم تلقاء البحر، يرون في امتداده ما يكفي ليمتلئ بأوجاعهم وخواطرهم، يجلسون لساعات وأيام وربما لسنوات ومن ذاك الذي يعدُّ الأيام؟ فهل تظن أن امتلاء البحر بتلك الأوجاع والخواطر تكفيه ساعة؟ لا يستوي في ذلك الجميع ولكل خياره، يستيقظ البعض من سكرته ليعود إلى حياته لكي يستمر، ففي الاستمرار ملحمة، ويبقى آخرون ليلتحقوا بطابور من المجانين، لا يمثل فيه مجنون ليلى إلى قصة واحدة؛ فالكثير منهم لم يجرء يوما حتى في التفكير في أن تكون له ليلى.

آثرت هنا أن أخبرك عن ما يحدث حينما يُحرمون من نصفهم الآخر، قبل أن أخبرك عن الجاني الذي حرمهم من ذلك، فخذ ورقة وقلم وسجِّل عندك المواصفات لعلك تقبض عليه، هو طويل طول ما بقي في الحياة ضحية تشعر بالوجع، في وجهه غلظة ما أحست الضحية فيها من احتقار ومهانة، يداه الجهل يبطش بهما بكل عازب و عازبة، عينه العنصرية يظن أن الله فضله على غيره فصنف الآخرين إلى عائلات شريفة وأخرى حقيرة، و أحب الأمور إليه الرياء، أينما وجدت سوقا لبيع الأبناء وجدته يصيح بصوت عالي أن هل من مشتري اليوم؟ أنفه كبير، يمشي مختالا فخورا بما رزقه الله ليتكبر به على العباد، إذا ما رأيته في مجلس عرفته دون عناء، خطوته واسعة، تقوده نحو الهاوية، لكنه لا يدري، يستثمر في بورصة تدمير المجتمع وهو فخور بذلك كل الفخر، لكنه لا يحصي كم من الدمار حدث.

مسار صعب ذاك الذي نسلكه في هذه الحياة بحلوها ومرها، وهو مسار طويل، يمر في كل مرة بجغرافيا وتضاريس مختلفة، وأكثر ما يرعب فيه، هو أن تمضي في هذا الطريق دون رفقة، فبعض تلك التضاريس موحشة للغاية، لدرجة أنك ستنهار سريعا لو مررت بها وحيداً، ولذلك نبحث دائما عن رفقاء للطريق.. لكن الرفقاء لا يستوون ولكل منهم مهمة وفترة زمنية معيَّنة، فلن يكون الأصدقاء كالوالدين أو الزوجة، ولا الإخوة كالأولاد، وفي هذا الأمر تفصيل؛ لكن القرآن وعلى قدر ما تحدث عن ضرورة البر بالوالدين إلَّا أنه وفي وصف بليغ في محكم التنزيل قال جل في علاه ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾ 
 

أصبح القليل من الناس فقط من يرضى بالتنازل عن زينة الدنيا وزخرفتها وعن التكبر أمام الناس بحفلات زفاف صرفت عليها الأموال الطائلة ومهور تتفاخر الأسر بقيمتها.

في الآية معنى عظيم، يصف العلاقة ما بين الذكر والأنثى، تلك العلاقة التي كانت عنوان مئاتِ بل آلاف الكتب و المقالات و الحلقات التلفزيونية، العلاقة التي لم تفهم بعد في إطارها الصحيح في معظم المجتمعات، ووجودها كموضوع مطروح للنقاش قديم قِدَمَ التاريخ، حيث كان دائما مرافقا للطرح الفكري في الثورات والحضارات المختلفة، و كان من أهم محتويات الكتب الدينية، كل ذلك تحت أطرٍ مختلفة (الأسرة وقضية المرأة على رأسها ) وليس أدل على أهمية هذه القضية من أن هذا العنوان لم يفقد قيمته حتى اليوم، فلا زالت الأفلام والمسلسلات والكتب التي تتناول علاقة الرجل بالمرأة أو تتناول جانبا منها حسب ما تريد نشره من فكرة حول الموضوع أو ما تهدف إليه من وراء منتجها (تسويق، مال، نشر قيم ..الخ) تحظى باهتمام ومتابعة الجميع، ولم تفقد جمهورها حتى يومنا هذا .


وبالعودة إلى الآية الكريمة وفي تفسيرها العظيم معنى جميل جدا، فمن آيات الله عزل وجل العظيمة يخلق الله لنا من أنفسنا أزواجا ومن ثم يقول بأن علة وجود هذا الزوج متمثلة في حاجتنا له، لأن في وجودنا معه مودة ورحمة، والرحمة معنى جميل وعظيم نُعَبِّر دائما عن حاجتنا إليه، وفي السكون للزوج مهدئ لما نقاسيه في درب الحياة من مصاعب، وحتى لا أطيل في التفسير وأنا لست من أهل الاختصاص، إلا أنني أنصحكم البحث عن معنى الآية وتفسيرها في موقع الشيخ محمد راتب النابلسي ففيها الكثير مما سيثير دهشتكم ويفتح عقولكم .


لقد تم تدمير هذا المفهوم تماما، وأصبح لكل مفهومه الذي يخالف ما أراد الله، وضعت العراقيل أمام من أراد الحلال، فأصبح القليل من الناس فقط من يرضى بالتنازل عن زينة الدنيا وزخرفتها وعن التكبر أمام الناس بحفلات زفاف صرفت عليها الأموال الطائلة ومهور تتفاخر الأسر بقيمتها وكأنهم يبيعون فرسا، ومن لم يصب بهذا الداء أصيب بداء العنصرية، فيفرق بين المرء ومن أراد فقط لأنه من بلد أو عائلة أو قبيلة مختلفة، وربما حُمِّل أوزار غيره و أخطائهم، فيما أرادت بعض القبائل و الأعراق أن تحافظ على نسلها بحرمان بناتها من الزواج من عرق آخر، حتى لو انتهى حالهن إلى الموت دون رفيق حياة.


أي إرهاب وتطرف هذا! هو ذاته التطرف والإرهاب الذي أخرج لنا جيلا جدا من مشاهدي قنوات إم بي سي (MBC) ومسلسلاتها وأفلامها، ممن يرفضون فكرة الزواج تعنتا، ويرضون أو يرضين بفكرة ألف عشيق مع التبديل المستمر، ممن تشوهت فكرة الزواج لديهم.. 
لك أن تطَّلِع اليوم على أنواع المنتج، لتفهم كيف سارت ولا زالت تسير عملية الإنتاج، والأنواع كثيرة ما بين منسحب وبين راض بما أراده الجناة فأعطوهم ما أرادوا، وبين آخرين كانوا ضحية البيع والشراء، فوجدوا أنه ليس بينهم وبين شريكهم صلة إلا سقف ذلك البيت، فالبعد بينهم أصبح العنوان، وبعضهم اختار أن يضيف إلى شريك الحياة عشيقا وفي ذلك أنواع وألوان، وكم من فتى وفتاة كانت قرباناً ليتقرب بها أهلها إلى الدنيا وزينتها، ولتعيش هي مع من لم تسأل ما إذا كانت تريده شريكا أو لنصفها الآخر عنوانا، وأصبحت الحياة بالنسبة لهن كالموت، فالأمر إذا ما أمعنت التفكير فيه سيَّان. 


إن الوقوف أمام هذا الجاني يتطلب منك أن تتبنى مفهوم الشرع حول العلاقة ما بين الجنسين، وأن تتحدث بخطاب الآية التي ذكرتها هنا، وهو ليس خطابا خاصا فقط بالمسلمين، بل هو دعوة إنسانية، في تفاصيلها ما يجب أن يلتزم به المسلم، لكن في مفهومها العام، دليل لكيف تختار نصفك الآخر، وفي التمسك بهذا الخطاب وسيلة للوقوف ضد من أراد أن يحرمك من رفيق الطريق، ضد من دمر الأسرة في سبيل التمركز حول الفرد، وليصبح وحده مرجعية ذاته دون أن يكون للقيمة مكان، وضد كل من أراد القضاء على الإنسان، ضد من أراد له الألم، ضد من رضي للأطفال العيش في أسرة مفككة، ولكبار السن العيش دون سند، لمن أراد أن يقف ضد هؤلاء فليتبنى خطاب الآية وليرفض أن يكون الضحية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.