شعار قسم مدونات

أين العرب من طموح أمريكا وروسيا؟

blogs - trump VS botin
يشهد العالم بأكمله، ومن غير استثناء، تحديات أمنية جد خطيرة، بفعل التوجهات العالمية الكبرى الساعية للهيمنة الاقتصادية بالدرجة الأولى على كل مقدرات دول العالم خصوصاً العربية، ولما انتهت الحرب الباردة إلى ما انتهت إليه من نتائج وخيبات أمل ونكوص للاتحاد السوفياتي سابقاً، انتهى الامر بسقوط جدار برلين معلناً، نهاية هذا الاتحاد الذي أنهكته الحرب الأفغانية، ودخول الدب الروسي، لمرحلة السبات الشتوي الذي طال لأزيد من خمسة عشرة سنة، تحولت فيها روسيا للبناء الداخلي للعودة بقوة وأفضل مما كانت عليه في السابق.

 

أمريكا استغلت تفردها بالسيطرة على العالم وقامت بما شاءت وأرادت بدول كأفغانستان والعراق، بتهمة محاربة الارهاب العالمي في الأولى والقضاء على أسلحة الدمار الشامل في الثانية، فدمرت أفغانستان أشد تدمير ونكلت بسكانها أشد تنكيل، وسيطرت على سوق الأفيون وعلى الطرق الدولية للتهريب، وأصبحت أمريكا المتاجرة الأولى بمادة الكوكايين عبر العالم، حاصدة مليارات الدولارات.

نفس التوجه فعلته بالعراق، واختلف الحال من مادة الأفيون لامتصاص الثروات النفطية وتوقيع عقود طويلة الأمد لشركات حصرية ساهمت في تمويل الحرب، دون الحديث عن النهب لكل الاَثار الخاصة بحضارة العراق القديمة قدم التاريخ، وحولت العراق إلى كتل طائفية، تمقت بعضها البعض، عفواً، تقتل بعضها البعض بكل صدر رحب، وتحول المحتل إلى حليف، أما المواطن العراقي فأصبح لا يؤمن إلا بالدم كحل لمشاكله، كأنه بقتل أبناء جلدته ستحل مشاكله، وهذا ما جنته الحرب الأمريكية على شعب وحضارة العراق، ونجحت أمريكا في تصدير خطاب الطائفية نحو كل الدول الإسلامية بقوة، رغم عدم وجود أقليات دينية في بعض الدول، لكي تتطاحن فيما بينها.
 

خرج الجيش الأمريكي من العراق، لما قضى منها ما قضى، والذي لم يستطع القيام به أجله، وأعد له العتاد والعدة، ورحل ولعب لعبة المتحكم من بعيد، حيث وفر لمجموعة من الارهابيين بتشاور وتنسيق تام مع حاكم المنطقة الفعلي إسرائيل والوصي الأصلي بريطانيا، وبمرور السنوات، خرج هذا البعبع الإرهابي للوجود بتمويل خيالي، وبأسلحة متطورة وبأشخاص مبنجين لا هم لهم سوى القتل وليس أي قتل، وإنما القتل والذبح والنكح، وقطع الرؤوس، والحرق وما إلى غير ذلك من أبشع الصور التي لم نرى مثلها طيلة حياتنا من خلال مشاهدتنا للأفلام السينمائية العالمية.
 

لا زال هناك من يؤيد سياسات أمريكا المتهورة بالمنطقة، وبالمنطق الطائفي المقيت الجديد الذي لا أحبذه، لكن عشاقه كثر وفي تزايد مستمر.

كل هذا أفرزته سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لكونها استأثرت بالمنطقة وجعلتها خاضعة خانعة وفعلت ما فعلته من جرائم إنسانية ومن تدمير للذات العربية والإسلامية، كما قضت على حضارات، وساهمت في زرع الحقد والكراهية وكل ما من شأنه أن يجعل الشيطان سعيداً بمخبئه، إنها سياسة الاستفراد وحكم الأقوى، فبوش الابن أعلنها خلال تسلمه مقاليد الحكم، إما أن تكون معي أو ضدي.
 

‌روسيا استفاقت من غفوتها، واستفادت من دروسها وعادت بالفعل قوية كما كانت، ووقفت سداً منيعاً، تجاه الأطماع الامريكية، ونافستها بضراوة حفاظاً على مصالحها الاقتصادية مع الدول الصديقة، وذاك ما يحصل بالأراضي السورية، إنها الثنائية العالمية الجديدة التي لا محالة ستكون أفضل لنا من أن يستفرد بالعالم قوي واحد، فالدول العربية والإسلامية في أحلى "نومة" ولن تستطيع فعل شيء، إلا الشجب والاستنكار في أفضل الحالات، لأنها أرادت الذل، والانبطاح.
 

ولكون روسيا، ساهمت في جعل النظام السوري يفوز بمعركة حلب، ويعمل على استعادتها من يد الإرهابيين، رغم الماَسي الإنسانية التي حصلت، فإن الدول الحليفة لأمريكا ستعمل لا محالة على تحريك الجماعات الإرهابية النائمة بالداخل الروسي، لضربها بقوة، والعمل على زعزعتها من الداخل من أجل الابتزاز على مراجعة مواقفها من القضية السورية والتنازل عن بعض الأماكن الاستراتيجية لصالحها، والإطالة في عمر ابنها غير الشرعي "داعش" خدمة لأجندة مستقبلية يتم التجهيز لها.
 

‌ختاماً، إن صعود روسيا من جديد وبروز قوة اقتصادية كالصين التي قال حولها نابليون بونابرت قولته الشهيرة "دعوا التنين نائماً لأنه إن استيقظ هز العالم" سيجعل من أمريكا وحلفائها يعملون على مراجعة مخططاتهم حتى تتماشى مع مصالح الوافدين الجدد في الساحة العالمية وبقوة.
 

إذن، نحن معشر العرب الأفضل لنا تواجد قوى عالمية متصارعة على مصالحها، أفضل من تواجد حاكم مستأثر بحكم العالم لوحده، ورغم ما فعلته الاَلة الحربية الأمريكية بالشعوب العربية المستضعفة، فإنه لا زال هناك من يؤيد سياسات أمريكا المتهورة بالمنطقة، وبالمنطق الطائفي المقيت الجديد الذي لا أحبذه، لكن عشاقه كثر وفي تزايد مستمر، فأمريكا وإسرائيل سنيتين، لكون مصالحهما تتماشى مع الدول السنية، وروسيا الاتحادية وحلفائهم الصينيين وغيرهم من الأعاجم شيعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.