شعار قسم مدونات

غموض الموقف الدولي تجاه ليبيا.. لماذا؟

General Khalifa Haftar, commander in the Libyan National Army (LNA), leaves after a meeting with Russian Foreign Minister Sergei Lavrov in Moscow, Russia, November 29, 2016. REUTERS/Maxim Shemetov
القضية الليبية أصبحت إلى درجة كبيرة بيد الأطراف الدولية، فهي التي تمسك بدفة التوجيه وقادرة على صنع السلام وفرض الاستقرار نسبيا، غير أنها متورطة اليوم في الأزمة، وتشارك بشكل مباشر في زعزعة الاستقرار من خلال انحيازها لأحد أطراف النزاع.
 

كان ولا يزال موقف الأطراف الدولية غير موحد تجاه ما يقع في ليبيا من أحداث، برغم إعلان جميع المعنيين بالشأن الليبي دوليا دعمهم للاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي والحكومة المنبثقة عنه، بل إن سياسات ومواقف أطراف فاعلة في مكون سياسي مهم كالاتحاد الأوروبي تكاد تكون متناقضة بل ومتصادمة حيال الصراع الجاري في البلاد، ولا حاجة للتدليل على اختلاف مسارات باريس وروما حيال ما يجري في ليبيا.
 

الغموض صار سيد الموقف اليوم لاعتبارين مهمين هما:
– عدم وضوح السياسة الأمريكية تجاه ليبيا بعد تسلم دونلد ترمب رئاسة الولايات المتحدة.
– عدم وضوح السياسة الروسية تجاه ليبيا بعد الدور الحيوي لموسكو في سوريا العام المنصرم.
 

الوضع الجيوسياسي في المنطقة قابل لتحقيق نتائج قريبة مما وقع في سوريا. ففي ليبيا قيادي عسكري جريء لدرجة التهور "حفتر"، كما تتوفر الحاضنة "مصر" كالتي اتكأ عليها الروس لتدعيم تدخلهم في سوريا.

الولايات المتحدة كانت ولا تزال رقما مهما جدا في توجيه الأحداث، فدخول الأمريكان حسم الصراع مع القذافي في 2011، بعد أن أصيب الفرنسيس والإنجليز والطليان بالعجز. غير أن واشنطن ظلت مترددة في الضغط باتجاه السياسة التي تبنتها منذ مطلع العام 2016 والتي أفضت إلى دعم حكومة الوفاق. وكان من أبرز ملامح التردد بل والتناقض هو مشاركة السلاح الجوي الأمريكي في الدعم اللوجستي للجيش التابع للبرلمان والذي يشرف على قيادته خليفة حفتر، وإن كنت أميل إلى الرأي الذي يقول أن الأمريكان يفرقون بين التنسيق الملح والمؤقت لمواجهة مخطر أمني يعتبرونه كبير حتى مع خصومهم.
 

مواقف ترمب التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية تميل لصالح البرلمان والجيش التابع له، ولأن ترمب أبدى مرونة في تصريحاته تجاه روسيا وتحدث عن إمكان التعاون الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيمكن أن يعني هذا السكوت عن أي تدخل روسي مباشر لصالح خليفة حفتر وذلك بعد اللقاءات التي جمعت الأخير مع عسكريين روس كبار. هذا التوجه ليس مستبعدا، غير أنه سيكون على حساب الدور الأمريكي المؤثر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأيضا على حساب مصالح الأوروبيين، الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة.
 

الاتحاد الأوروبي، ممثلا في عاصمته بروكسل وأهم الدول فيه، أبدوا انزعاجهم من التقارب الروسي مع البرلمان والجيش، وزار وفد أوروبي موسكو مطلع الأسبوع الجاري خصيصا لمناقشة التحرك الروسي تجاه الأزمة الليبية. وقد عبر الوفد عن تخوف الأوروبيين من تكرار ما وقع في سوريا. بعض الأطراف الأوروبية ذهبت إلى ما هو أبعد من التعبير عن القلق من خلال التصريحات والحراك الدبلوماسي، إذ اتجه بعضها إلى تقارب أكثر مع خصوم حفتر في الغرب الليبي، ووقع تقارب مع المجلس الرئاسي وراهنت عليه عواصم أوروبية كسلطة تنفيذية عليا تسير البلاد.
 

المعلن على لسان الساسة الأوروبيين أنهم لا اعتراض لهم على حضور حفتر في المشهد السياسي والأمني في البلاد، لكنهم يتخوفون من أن يصبح حفتر بمخططه العسكري الحاكم النافذ. وسيكون السيناريو أسوأ بالنسبة لهم في حال تحقق ذلك بدعم قوي من موسكو، عندها ستصبح مصالح الشريك التجاري الأول لليبيا منذ عقود في مهب الريح، ولن يتردد الروس في الضغط مستخدمين ليبيا ورقة رابحة في صدامهم مع الأوروبيين.
 

برغم المخاوف الغربية، إلا إنه وحتى هذه اللحظة لا يوجد ما يدلل على اتجاه الروس لتبني نفس المقاربة التي تبنوها في سوريا، غير أن الوضع الجيوسياسي في المنطقة قابل لتحقيق نتائج قريبة مما وقع في سوريا. ففي ليبيا قيادي عسكري طموح جريء لدرجة التهور ويحظى بدعم سياسي وعسكري وشعبي لا بأس به، كما تتوفر الحاضنة الإقليمية "مصر" كالتي اتكأ عليها الروس لتدعيم تدخلهم في سوريا وهو الإيرانيون.
 

غير أن هذا السيناريو لن يقع حتى لو رغب الروس جديا في تنفيذه إلا إذا تم تحييد البيت الأبيض، وهو أمر من الصعب الفصل فيه في ظل الاضطراب والغموض التي يكتنف الإدارة الأمريكية الجديدة وما يمكن أن تتبناه من سياسات تجاه المنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.