شعار قسم مدونات

بنغازي.. الحسم العسكري والنتائج المرتقبة

A tank is seen in the city of Sirte, Libya October 16, 2011. Libyan government fighters battled to subdue pockets of resistance by pro-Gaddafi fighters, whose refuse to abandon the ousted leader's hometown of Sirte. REUTERS/Esam Al-Fetori SEARCH "SIRTE TIMELINE" FOR THIS STORY
نوهت منذ الأيام الأولى لانطلاق عملية الكرامة إلى التداعيات المحتملة جدا والتي تعود للتناقضات بين مكوناتها وأنها ستفضي إلى وضع نتائجه لا يمكن أن تقود إلى استقرار المدينة المنكوبة حال الحسم العسكري. وأشرت إلى عوامل عدة ستتفاعل بقوة مع قرب انتهاء المعارك لتدفع بأزمة المدينة إلى مرحلة أخرى وتجرها إلى منعطف ربما سيكون أكبر حدة من سابقه الذي كانت بداياته بسلسلة الاغتيالات المبرمجة والتفجيرات المخطط لها بإحكام الأعوام 2012، 2013، 2014.
 

من أبرز مظاهر أزمة عملية الكرامة أنها قامت على تعبئة مفتوحة وتحشيد غير منضبط. فبجانب العديد من أنصارها الذين لا شك في وطنيتهم، انخرط في عملية الكرامة المتشددون دينيا وسياسيا وقبليا، وبقايا النظام السابق، وحتى أصحاب سوابق، وأنعكس ذلك على المظهر العام وفي السلوك المصاحب للعمليات العسكرية من قتل خارج القانون، واعتداء على الأملاك والأرزاق بالتخريب والمصادرة، وحتى التعذيب، ولا يمكن فصل مشاهد حرق البيوت وتدميرها أو مصادرتها بحجة أن أصحابها "دواعش" أو التصفية والتمثيل بالجثث، لا يمكن فصلها عن عملية الكرامة وعن إفرازاتها، وما يجعلنا نصر على ذلك هو عدم الإدانة الواسعة والحازمة لهذه السلوكيات الإجرامية التي لا يمكن أن يقبل انتساب أفرادها إلى جيش نظامي.
 

إعادة ترتيب الوضع الأمني بعد انتهاء المعارك سيكون عنوانا إضافيا من عناوين التأزيم، فالقاعدة العريضة التي كانت على خط النار ليسوا من العسكريين النظاميين.

الإفرازات الخطيرة لعملية الكرامة ترتبط بمقاربتها السابق الإشارة إليها، فالتيار الإسلامي الذي يرى أن عليه مسؤولية الدعوة وتصحيح الاعتقاد والسلوكيات العامة بعد أن قاربت الحرب على وضع أوزارها سيجد نفسه في صدام مع مكونات أساسية في عملية الكرامة، ولأنه تيار واسع نسبيا، ومتنفذ عسكريا، ومثل ركيزة من ركائز عملية الكرامة، فإنه سيمنح الحق لأنصاره لممارسة الدعوة وفق رؤيتهم. وقد لاحت في الأفق بوارد الصدام دون أن تتدخل قيادة عملية الكرامة حتى الأن، وسيكون تدخلها في كلا الحالين مأزّما للعملية ومحرك لبذور التناقضات التي انطوت عليها منذ انطلاقتها.
 

إعادة ترتيب الوضع الأمني بعد انتهاء المعارك سيكون عنوانا إضافيا من عناوين التأزيم، فالقاعدة العريضة التي كانت على خط النار ليسوا من العسكريين النظاميين كما جاء على لسان ضباط مبرزين في الكرامة، وهؤلاء راكموا غضبا بسبب ما رأوه من سوء إدارة للعملية العسكرية طيلة 30 شهرا ويزيد، وما يعتبرونه فسادا وتضييعا لحقوق من قاسوا ويلات الحرب من الجرحى، وما أسكتهم عن إطلاق جام غضبهم إلا حدة المعارك، ومن المتوقع أن يكون هؤلاء أحد أبرز عوامل التأزيم.
 

العامل القبلي كان حاضرا بقوة في عملية الكرامة، ورأينا كيف أن قيادات ميدانية تنتسب إلى قبيلة بعينها نسبت النجاح في بدايات العملية لنفسها ولشباب قبيلتها، وظهرت بوادر انشقاق وأصبح العديد من المبرزين مطلوبين بل ومصنفين كخونة، وهناك أخبار عن ملاحقات في بعض المدن والقرى القريبة من بنغازي. وقد شهد العام الأخير تبدلا في إدارة العملية العسكرية من خلال تقليل الاعتماد على العناصر والكتائب المنتسبة إلى القبيلة لصالح مساحات إضافية ملأها قادة وعناصر من كتائب نظامية تابعة للنظام السابق تنتسب إلى المنطقة الغربية والجنوب، وتم استيعابها ضمن العملية العسكرية. هذا العامل من المتوقع أن يعرقل مساعي الاستقرار بعد الحرب، وقد يدفع باتجاه صراعات كامنة ربما تأخذ أوجها متعددة وتجد طريقها للفضاء الخارجي وستكون آثارها خطيرة حتى وإن لم تكن في شكل مواجهات مفتوحة ومباشرة.
 

بعد الأزمات والحروب عادة ما ينشط النفعيون ممن يجيدون استغلال الفرص وأيضا المتسلقون الذي يحسنون التسلل إلى مستويات أعلى في هرم السلطة، والماهرون في الاستيلاء على ما يتوفر من تمويل لمعالجة أثار الحرب على المستوى البشري والعمراني، هؤلاء سيضاعفون من الأزمة من خلال إثارتهم لغضب من يرون أنهم عانى ويلات القتال لسنوات ولم يجنوا من ثمارها شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.