شعار قسم مدونات

هل يصمد ترمب أمام العاصفة؟

U.S. President Donald Trump leaves after speaking to commanders and coalition representatives during a visit to U.S. Central Command and U.S. Special Operations Command at MacDill Air Force Base in Tampa, Florida, U.S., February 6, 2017. REUTERS/Carlos Barria
منذ صعود دونالد ترمب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة كرئيس منتخب والأحداث تتلاحق بشكل سريع ومتعاقب. فالمظاهرات المنددة بوصوله اجتاحت أرجاء الولايات المتحدة في أول أيام وصوله اعتراضًا على وعوده الانتخابية، بالإضافة إلى الحملات الإعلامية الموجهة ضده في سابقة لم يشهدها التاريخ الأمريكي في استقبال رئيس منتخب.
 

ترمب لم يقف صامتًا أمام تلك الحملات وشرع في تنفيذ وعوده الانتخابية الواحدة تلو الأخرى، ووقّع عددًا من القرارات التنفيذية والتي من أهمها بناء الحاجز الفاصل بين بلاده والمكسيك، وحظر دخول رعايا عدد من الدول الإسلامية. هذه القرارات صبّت النار على الزيت المشتعل والمتوقد وأدخلت الرئيس "المستجد" في صراع عنيف مع معارضيه داخليًّا وخارجيًّا.
 

ترمب واجه الصدام بالصدام ودخل في مرحلة تحدٍّ مبكر مع خصومه، فأقال القاضية الفدرالية التي حاولت تعطيل قرار حظر دخول الأجانب، واستأسد على وسائل الإعلام ومراسليها المعترضين على سياسته الجديدة بالطرد من مؤتمراته الصحفية. ترمب الذي استخدم من تويتر منصة إعلامية للوصول إلى جماهيره ومعارضيه -متجاوزًا الحصار المفروض عليه من الشبكات الإعلامية- أطلق تغريدات عنيفة واستخدم لغة المواجهة فيها ليثبت للعالم أنه جاد في تنفيذ وعوده الانتخابية وأنها ستكون واقعًا لا محال عندما خاطب معارضيه بعبارة "call it what you want" عندما نعتوا قراراته بالعنصرية.
 

أين أنصار ومؤيدو ترمب؟ فمنذ تنصيبه لم تُشاهد أي جموع أو مظاهرات تقف بجانب من استحق أصواتهم في صناديق الاقتراع في ضوء الهجمة التي يشنها عليه معارضوه!

وبنظرة شمولية للمناخ السياسي الحالي في الولايات المتحدة فإن التصعيد سيكون شعار المرحلة الحالية وربما المقبلة. فشخصية ترمب التصادمية والتي تؤمن أن القوة هي الخيار الأفضل لتحقيق الأهداف والعودة بالولايات المتحدة إلى مكانتها كقوة عالمية وقطب أوحد بخلاف ما قام عليه سلفه في السنوات الأخيرة من استخدام للدبلوماسية الهادئة وترسيخ مفهوم القوة الناعمة كوسيلة فعالة للسيطرة وهو ما يرفضه ترمب.
 

ولكن السؤال المطروح حاليًّا، هل سيقود الرفض الجماهيري الحالي لسلوك ترمب إلى عصيان مدني؟ فالمظاهرات والاعتراضات تتصاعد يوميًّا، والعديد من الجمعيات والمؤسسات المدنية المستقلة أصبحت تشارك المحتجين سخطهم على سياسيات ترمب الداخلية، وانضم إليها العديد من الشركات والمؤسسات التجارية التي رفعت شعار التحدي والرفض لقانون حظر دخول الأجانب. بالإضافة إلى تضامن العديد من الساسة الأمريكيين السابقين في الوقوف ضد هذه القرارات. فهل تتأثر المؤسسات السياسية والحكومية لاحقًا بهذه الموجة وتنضم إلى ما سبق في رفض ما يمليه ترمب عليها؟ وهل الوصول إلى هذا المستوى من الاحتقان السياسي قد يدخل الأمة الأمريكية في متاهات فوضوية دستورية تشريعية تفضي إلى إقالة ترمب؟
 

والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه، أين أنصار ومؤيدو ترمب؟ فمنذ تنصيبه لم تُشاهد أي جموع أو مظاهرات تقف بجانب من استحق أصواتهم في صناديق الاقتراع في ضوء الهجمة التي يشنها عليه معارضوه، وكأن من انتخبه أشباح أو عبارة عن ملفات إلكترونية اُخْتُرِقَ بها النظام الانتخابي الأميركي، وهو ما يردده البعض ساخرًا من اتهامات القرصنة الروسية لانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة.
 

ورغم غياب أنصار ترمب عن المشهد السياسي فإنه يحتمي بكونجرس ذي أغلبية جمهورية قد تدافع عنه وتُفشل أي مساعٍ للإطاحة به في حال وجودها. بالإضافة إلى أن ترمب الذي يتمتع بذكاء سياسي قاده للوصول إلى البيت الأبيض عليه أن يضاعف ذكاءه مرتين للحيلولة دون الوقوع في أي فخ قد يُنصب له على غرار ما حدث للرئيس نيكسون الذي استقال من منصبه وتعرض للمحاكمة بتهمة التجسس في الواقعة التاريخية "ووتر غيت"، أو ما حدث لبيل كلينتون الذي أفلت بمعجزة من تهمة الكذب بعد حنثه اليمين في تحقيقات الفضيحة الجنسية المعروفة بقضية "مونيكا لوينسكي".
 

ترمب الذي اختار المواجهة مبكرًا سيكون عليه أن يختار بين أمرين، إما أن يستمر في تنفيذ وعوده والتصادم أكثر وأكثر مع معارضيه وحينها لا يمكن التنبؤ بالنتائج، وإما أن يقوم بتعديل أجندته السياسية لتكون أكثر هدوءًا ويتخلى عن طموحاته التصادمية وهو ما لا يمكن أن يحدث أو يختاره ترمب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.