شعار قسم مدونات

نهاية شهر عسل ترمب بالنسبة للأسواق

U.S. President Donald Trump speaks to commanders and coalition representatives during a visit to U.S. Central Command and U.S. Special Operations Command at MacDill Air Force Base in Tampa, Florida, U.S., February 6, 2017. REUTERS/Carlos Barria

عندما انتُخب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، ارتفعت أسواق الأسهم بشكل لافت.  وكان المستثمرون في البداية مندهشون بسبب وعود ترمب المتعلقة بالتحفيز المالي وتحرير الطاقة والرعاية الصحية والخدمات المالية وخفض كبير في ضرائب الشركات والأفراد والعقارات، وخفض الضرائب على أرباح رأس المال.  ولكن هل يستطيع واقع اقتصاد ترمب الحفاظ على الارتفاع المستمر في أسعار الأسهم؟

 

ليس من الغريب أن يُسعد هذا الأمر الشركات والمستثمرين. وهذه النظرية الجمهورية التقليدية للاقتصاد، التي تقول إن فوائد الأثرياء تصل إلى الجميع، سوف تستفيد منه الشركات والأثرياء، في حين لا تفعل شيئا تقريبا لخلق فرص عمل أو زيادة دخل العمال ذوي الياقات الزرقاء ". وفقا لمركز بحثي غير حزبي "مركز السياسة الضريبية"، فإن ما يقرب من نصف الفوائد من التخفيضات الضريبية المقترحة من قبل ترمب ستذهب إلى 1٪ من ذوي الدخل المرتفع.

 

أدت الحوافز المالية المتوقعة إلى ارتفاع أسعار الأسهم، ولكن أدى ذلك أيضا إلى ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل، وهو ما يضر الإنفاق الرأسمالي والقطاعات الحساسة مثل العقار.

لكن الغرائز الحيوانية لقطاع الشركات قد يحل محلها الخوف البدائي: الأسواق الاقتصادية آخذة في الهبوط بالفعل، وبدأ شهر عسل ترمب مع المستثمرين يقترب من نهايته. هناك عدة أسباب لذلك.

 

بداية، أدت الحوافز المالية المتوقعة إلى ارتفاع أسعار الأسهم، ولكن أدى ذلك أيضا إلى ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل، وهو ما يضر الإنفاق الرأسمالي والقطاعات الحساسة مثل العقار.  وفي الوقت نفسه، فإن قوة الدولار ستدمر أكثر وظائف العمال التي كان يدافع عنها ترمب.  لقد "حافظ" الرئيس على 1000 وظيفة في ولاية انديانا بواسطة البلطجة والتقرب لشركة "كريار" لتكييف الهواء.  ولكن ارتفاع الدولار الأمريكي منذ الانتخابات يمكن أن يدمر تقريبا 000 400 وظيفة في قطاع التصنيع مع مرور الوقت.

 

وعلاوة على ذلك، قد تكون حزمة التحفيز المالي لترمب أكبر مما يشير إليه التسعير الحالي للسوق. وكما أظهر الرئيس رونالد ريغان وجورج دبليو بوش والجمهوريين، نادرا ما يمكن مقاومة الإغراء لخفض ضرائب الشركات والدخل وضرائب أخرى، حتى عندما لا تكون لديهم أي وسيلة للتعويض عن الإيرادات المفقودة وأي رغبة في خفض الإنفاق.  وإذا حدث ذلك مرة أخرى في إدارة ترمب، فإن العجز المالي سيترفع وكذلك أسعار الفائدة والدولار إلى أبعد من ذلك، مما سيضر بالاقتصاد على المدى الطويل.

 

والسبب الثاني لحد المستثمرين من حماسهم هو شبح التضخم. مع اقتصاد الولايات المتحدة القريب من العمالة الكاملة بالفعل، وبالنظر إلى الحوافز المالية لترمب فإن التضخم سيرتفع أكثر من النمو.  ثم سيجبر التضخم الاحتياطي الفيدرالي المعتدل ورئيسته جانيت يلين على رفع معدلات الفائدة في وقت أقرب وأسرع مما كان متوقعا، الشيء الذي سوف يرفع أسعار الفائدة الطويلة الأجل وقيمة الدولار بشكل كبير.

 

ثالثا، هذا المزيج من السياسات غير المرغوب فيها من السياسة المالية الفضفاضة بشكل مفرط والسياسة النقدية المتشددة سيؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية، وسيقلص دخل العمال ذوي الياقات الزرقاء "وفرص العمل.  وبعد ذلك سوف تضطر إدارة ترمب الحمائية لاتخاذ تدابير حمائية إضافية للحفاظ على دعم هؤلاء العمال، مما سيؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي وتراجع أرباح الشركات.

 

وإذا ذهبت سياسة ترمب الحمائية بعيدا جدا، فسوف تثير بلا شك حروبا تجارية. ولن يكون لدى الشركاء التجاريين للولايات المتحدة أي خيار سوى الرد على الولايات المتحدة بفرض قيود على الاستيراد عن طريق فرض الرسوم الجمركية الخاصة بها على الصادرات الأمريكية.  وسيتلو ذلك سياسة العين بالعين التي تعيق النمو الاقتصادي العالمي، وتُضر بالاقتصادات والأسواق في كل مكان. وللتذكير فإن قانون التعريفة الجمركية سموت-هاولي الأمريكية لعام 1930 نتج عنه حروبا تجارية عالمية ساهمت في تفاقم الكساد العظيم.

 

رابعا، تفيد تصرفات ترمب أن التدخل الاقتصادي لإدارته سوف يتجاوز الحمائية التقليدية.  وقد عبر ترمب عن استعداده لاستهداف العمليات الخارجية للشركات "مع تهديد بفرض رسوم جمركية على الواردات، واتهاماته العلنية بالتلاعب في الأسعار، والقيود المفروضة على الهجرة (التي تجعل من الصعب جذب المواهب).

 

قد تجعل أساليب ترمب الحمائية لتقليص الضرر الأمور أكثر سوءا. على سبيل المثال، قدم هو ومستشاروه بالفعل تصريحات لفظية تهدف إلى إضعاف الدولار. لكن الكلام لا يكلف شيئا.

وقد وصف العالم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل إدموند س. فيلبس التدخل المباشر لترمب في قطاع الشركات بأنه يذكرنا بالمصالح الخاصة لألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. في الواقع، لو عالج الرئيس السابق باراك أوباما قطاع الشركات بطريقة ترمب، لما تم انتقاده واعتباره شيوعيا.  ولكن لسبب ما عندما يفعل ترمب ذلك، تضع الشركات الأمريكية ذيلها بين ساقيها.

 

خامسا، يشكك ترمب في التحالفات مع الولايات المتحدة، ويتملق للمنافسين الأمريكية مثل روسيا، مستعديا القوى العالمية الهامة مثل الصين. وتخيف سياسته الخارجية غير المنتظمة قادة العالم، والشركات المتعددة الجنسيات، والأسواق العالمية عموما.

 

وأخيرا، قد تجعل أساليب ترمب الحمائية لتقليص الضرر الأمور أكثر سوءا. على سبيل المثال، قدم هو ومستشاروه بالفعل تصريحات لفظية تهدف إلى إضعاف الدولار.  لكن الكلام لا يكلف شيئا، وعمليات فتح الفم يكون لها فقط تأثير مؤقت على العُملة.

 

وهذا يعني أن ترمب قد يتخذ نهجا أكثر راديكالية وبدعة. وخلال الحملة، انتقد الاحتياطي الفيدرالي لكونه معتدلا جدا ولكونه يخلق "اقتصادا زائفا".  ومع ذلك، فإنه الآن يميل إلى تعيين أعضاء جدد في مجلس الاحتياطي الاتحادي الذين هم أكثر اعتدالا، وأقل استقلالا، من الرئيسة يلين، لزيادة الائتمان للقطاع الخاص.

 

وإذا فشل ذلك، يمكن لترمب التدخل من جانب واحد لإضعاف الدولار، أو فرض ضوابط على رأس المال للحد من تدفقات رأس المال وتعزيز الدولار. لقد أصبحت الأسواق بالفعل حذرة. وبُغية السيطرة على رأس المال، من المرجح أن يسود الذعر إذا أدى هذا التوجه الحمائي المتهور والمُسَيس إلى حروب نقدية وتجارية.

 

ومن المؤكد أن توقعات التحفيز وتخفيض الضرائب وإلغاء القيود ما زالت قادرة على تعزيز الاقتصاد وأداء السوق على المدى القصير.  ولكن، كما تم تداوله في الأسواق المالية منذ تنصيب ترمب، سوف يؤثر تردد الرئيس والسياسات الهدامة سلبا على النمو الاقتصادي المحلي والعالمي على المدى الطويل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: بروجيكت سنديكيت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.