شعار قسم مدونات

دليل الأنام إلى عالم الإعلام

blogs - media Journalist
هل تريد/ين احتراف الإعلام؟
هل ترغب/ين في أن تصبح/ين صحفيا لامعا؟
هل تطمح/ين بتسيّد الشاشات وأغلفة المجلات؟
الآن، يمكنكم دخول عالم الإعلام من أوسع أبوابه دون الحاجة لدراسة الإعلام، بل دون الحاجة لكثير من التدريب والدورات، بل دون الحاجة لخبرة مسبقة.
الأمر بسيط جدا من خلال اتباع هذه الخطوات في الوصفة التالية:

1. حسابات على كل مواقع التواصل الاجتماعي ولايكات واشتراكات مع صفحات المشاهير من الإعلامين والمذيعين (زملاء المستقبل).
2. كاميرا وهاتف ذكي حديث
3. دورة تدريبة واحدة في أي مركز حتى ولو كان في العالم الافتراضي
4. حملة علاقات عامة (نفاق وتزلف) لمشاهير الإعلاميين.

هذا المشهد المرير في إعلامنا العربي أصبح واقعا قائما، وهو ما خلق للأسف طبقة سطحية من "إعلاميي الفقاعة" الذين لا يقدمون للجمهور إلا الغث والتافه والمنبّت عن واقعه واهتماماته اليومية

ما سبق ذكره ليس من باب السخرية أو من نسج الخيال، بل أصبح واقعا ملموسا نتعامل بشكل يومي في الوسط الإعلامي، في تعبير واضح عن المستوى المتدني الذي وصلت له مهنة الإعلام والصحافة في عالمنا العربي اختلط فيها الغث بالسمين والقيّم بالتافه.

وأكاد أجزم أن الوظيفة التي بات من الأسهل امتهانها نظريا في عالمنا العربي -بعد وظيفة "مدرب تنمية بشرية"- أصبحت وظيفة "الصحفي" أو "الإعلامي"، ذلك أن كثيرا من أصحاب المهن والتخصصات الأخرى وللهروب من بطالة محدقة بهم وجدوا ضالتهم هذا التخصص الذي أصبح مفتوحا للجميع في ظل الفوضى الإعلامية التي نشهدها على صعيد المؤسسات الرسمية والخاصة.

في السنوات الأخيرة بدا وكأننا أمام جيل من "الإعلاميين الجدد" إما من الوافدين من تخصصات أخرى ممن "لم يجدوا أنفسهم في تخصصاتهم" فلجأوا إلى ساحة العمل الأسهل وهي الإعلام، وإما من خريجي كليات الإعلام الذين يسعون إلى حرق المراحل وصولا للنجومية والشهرة بأسرع وقت.

أتساءل أحيانا لماذا لا يمكن لأي شخص العمل في مجال الهندسة أو الطب او الفلك أو حتى التعليم، بينما يمكن لأي شخص أن يدخل مجال الإعلام وبعد فترة وجيزة يعرّف عن نفسه الإعلامي فلان الفلاني، أو الناشط والإعلامي فلان الفلاني؟!

في الحقيقة وحتى نكون منصفين، ثمة كثير من الإعلاميين أو الصحفيين الناجحين ومن الأسماء الكبيرة في عالمنا العربي جاؤوا في الأصل من تخصصات أخرى بعيدة كل البعد عن الإعلام، ولكنهم امتلكوا أدوات الصحافة والإعلام وحجزوا لأنفسهم مواقع متقدمة في كبريات المؤسسات الإعلامية العربية بل والعالمية.

ما أنا بصدده حقيقة هو ما يمكن تسميته بـ"ظاهرة الإعلاميين الجدد" والتي ساهمت في تشكلها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وبالطبع اذا افترضنا بالأصل أن ما يمارسوه حقيقة له علاقة في الاعلام والصحافة، كما ساهمت في بروزها رواج ما يمكن تسميتها بـ"تجارة الإعلام" وروادها من السياسيين ورجال الأعمال الذين لجأوا إلى تأسيس كيانات إعلامية بعقلية تجارية آخر ما تلتفت إليه المضمون الذي يقدم للجمهور، وبالتالي من غير المهم لديهم المستوى الثقافي والأكاديمي لموظفي وسائل الإعلام المملوكة لهم ما دام أنهم يقبلون برواتب متدنية توفر لهم نسبة كبيرة من الموازنة التشغيلية.

نسبة ليست قليلة ممن تقدموا للوظيفة لم يقرؤوا كتابا واحدا خارج المنهاج الجامعي، ولا يتابعون الفضائيات الإخبارية، أو لم يحضروا ندوة سياسية في حياته

بل إن المصيبة الأكبر تكمن في ظهور "موضة" مؤسسات ومراكز التدريب التي تنتشر كالفطر السام في أقطارنا العربية مانحة ما لا تملك إلى من لا يستحق، رافدة الوسط الإعلامي بمجموعات من مدعي المهنة وهم لا يمتلكون الحد الأدنى من الثقافة العامة التي تؤلهم لشق طريقهم إلى امتهان الصحافة والإعلام.

كيف يُعقل على على سبيل المثال أن يكون ثمة مراسل تحت التدريب في مؤسسة ما وبعد شهرين أو ثلاثة ينشر صوره وهو يعطي "دورة المراسل التلفزيوني" لطلبة جامعة معينة، كيف يصف البعض أنفسهم بالإعلاميين أو الصحفيين وهم لا يميزون بين التاء المفتوحة والمربوطة في اللغة العربية، أو لا يفرق بين الخبر والخاطرة أو بين مقال الرأي والتقرير الاخباري؟!

في إحدى المؤسسات الإعلامية قابلنا مجموعة من خريجي الصحافة لتوظيفهم، وكنا حريصين على امتلاك هؤلاء الحد الأدنى من الثقافة العامة، لنكتشف أن نسبة ليست قليلة ممن تقدموا للوظيفة لم يقرؤوا كتابا واحدا خارج المنهاج الجامعي، وأن نسبة كبيرة منهم لا يتابعون الفضائيات الإخبارية، أو لم يحضر ندوة سياسية في حياته!

هذا المشهد المرير في إعلامنا العربي أصبح واقعا قائما، وهو ما خلق للأسف طبقة سطحية من "إعلاميي الفقاعة" الذين لا يقدمون للجمهور إلا الغث والتافه والمنبّت عن واقعه واهتماماته اليومية.
الجامعات وعلماء الإعلام والمؤسسات الأكاديمية والإعلامية والمحاضن الثقافية أمام مسؤولية خطيرة في تدارك ما يمكن تداركه، فالخطر لا يتوقف عند مجرد وسيلة إعلامية نضخ أفكارا مسمومة او قيما تافهة، بقدر ما هو تهديد حقيقي لأجيال بأكملها أصبحت تعتمد على الإعلام بوسائله المتجددة كمصدر رئيس لتشكيل الهوية الثقافية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.