شعار قسم مدونات

ماذا خسر الشارع الجزائري من غلق مكتب الجزيرة؟

Al Jazeera's office is seen after it was shutdown in Baghdad May 12, 2016. REUTERS/Thaier Al-Sudani
جمدت السلطة الجزائرية عام 2004 نشاط مكتب الجزيرة بالجزائر ومنعت مراسلها من العمل، ويأتي هذا المنع بعد أسبوع من بث الجزيرة حلقة من برنامج "الاتجاه المعاكس" ومادة الحلقة كانت حول "الأوضاع في الجزائر" وحيث ذكر ضيف البرنامج وسلط الضوء عن الحاكم الفعلي للجزائر "جنرالات المؤسسة العسكرية" وذكر أنهم هم من يصنعون رؤساء البلد وهم أنفسهم قاموا بانقلاب 1992 على الشرعية الانتخابية.

إذن سبب المنع هم جنرالات المؤسسة العسكرية الحاكم الفعلي والمسير لشؤون البلاد وصاحب القرار والأمر في سدة الحكم، وما الوجه السياسي إلا صورة تلميعية لحكمهم العسكري فالقرارات المصيرية والأوامر والقوانين يصدرها العسكر بعيدا عن مبنى البرلمان وقصر الحكومة.

من المعلوم أن التغطية الإعلامية لسنين الجمر فتحت كثيرا من القضايا وكشفت عن كثير من الحقائق عبر برامجها المتعددة التي لا تريد المؤسسة العسكرية إظهارها وخاصة إن كانت أحداثها تخرج من قناة إخبارية عالمية وما قد تسببه في كشف المستور وجعل الجنرالات تحت ضوء المراقبة الدولية والمحاسبة لذا كان وجود مكتب الجزيرة أمرا مقلقا وغير مرحب به.

كم من تلك الأماكن المنسية وكم من تلك الأصوات المختنقة وكم وكم جعلتها قناة الجزيرة حديث العالم وقضايا الأمم وفتحت لأجلها الملفات المذخورة لسنين.

عملت الجزيرة طيلة فترة بقاء مكتبها بالجزائر بحيادية تامة في تعاملها مع الأحداث واستضافت كثيرا من الشخصيات المعارضة والمؤيدة وحتى بعض المسؤولين لتنقل الصورة كاملة ومن كل الجهات لتضع المشاهد أمام الحقيقة دون تزييف أو شبهة ربما تعكر صفاء الصورة، ولكن كانت الحقيقة هي التي تقلق أصحاب القرار وترعبهم وتجعلهم تحت المساءلة وقد تتسبب في فتح ملفاتهم داخل محاكم الجنايات الدولية فعملوا على غلق البلد عن العالم الخارجي وأحاطوا عليه بتكتم إعلامي ربما قد يثير تساؤلات عن الوضع وعن المتسببين فيه وسمحوا للمحطات التابعة لهم فقط، التي تتناول المواضيع التي تخدم بقاءهم وتلمع صورتهم أمام الجمهور.

عبر حلقة برنامج بلا حدود للمقدم أحمد منصور وضيفه البروفيسور عباس عروة صاحب موسوعة "أكاديمية علمية" تقوم على الإحصاءات والرسومات والخرائط عن المجازر التي حصلت ما بين عامي 92 و98 كشف الضيف كثيرا من الحقائق وبيّن كثيرا من الغموض وأسدل الستار عن كثير من المغالطات وأعطى الكثير من المعلومات بالأرقام والأماكن والصور ومصادر من شهود عيان تفضح المتسببين في كثير من المجازر التي لم تظهر بحقيقتها للشعب وتشير هاته المعلومات بأصابع الاتهام إلى هؤلاء الجنرالات الحاكمة للبلاد.

وعبر برنامج الاتجاه المعاكس استُضيف عدد ممن شاركوا في هاته المجازر بأمر من المؤسسة العسكرية والذين أعلنوا عصيانهم لها بعد الأحداث وخرجوا عن صمتهم ليكشفوا كثيرا من الحقيقة، مثل هاته البرامج كانت زلزالا تضرب بقاءهم وتهدد وجودهم على رأس الحكم ما اضطرهم لغلقها وحجب الصورة عن ما يحدث في الداخل.

عمل النظام الجزائري بعد تجميد مكتب الجزيرة على تشويه صورة القناة على مواقع التواصل الاجتماعي في نظر المشاهد الجزائري وعمل على تشويش العقول واستغفالها وطمس الحقيقة لتصله مقلوبة معكوسة عن عمل الجزيرة النزيه الذي يقوم على توصيل الحقيقة كاملة لجمهورها العربي، وقد نجح النظام إلى حد ما في تخدير العقول وتغيير نظرة الشعب لقناة الجزيرة ووضعها داخل قفص الاتهام وإرسال الشكوك حول حقيقة عملها.

كانت الجزيرة وما زالت الصوت الحر الذي يقف في صف المستضعفين وإلى اليوم تعمل على إسماع صوت الشعوب المقهورة تحت آلة الظلم المتسلطة على رقابهم وقد نجحت في إعلاء صوتهم فوق صوت الطغيان وفي كسر جدار الخوف أمام الطغاة.

أحدثت الجزيرة تغييرا وسط المنطقة العربية وغيرت قوانين اللعبة وأضافت قوة تعادل قوة الطغيان المتسلط في هاته المنطقة ما جعلها جهة عدائية وندّا لهاته الأنظمة العربية وأصبحت الصوت المقلق والمزعج لهم، ولقد تسببت بفضل حملتها الإعلامية لنقلها صورة المظاهرات وصوت المتظاهرين في إسقاط بعض هاته الأنظمة وزعزعت بعضها وأدخلت الخوف في قلوبهم والخشية منها وما غلق مكتب الجزيرة في الجزائر إلا من جراء هذا الخوف وهاته الخشية.

خسرت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية داخل الساحة الجزائرية منبرا عالميا يبلغ صوت المستضعفين داخل الأماكن المنسية مثل مناطق الجنوب الجزائري المهمشة وقد تكون صوته وصورته التي تنقلها لجميع العالم وقد توصل رسائل أبناءها للأحرار عسى أن يلتفت حولها المؤمنون بالقضايا العادلة وسيضطر النظام إلى سماع شكاويه ومشاكله بعد سنين من التجاهل والنسيان.

علينا أن نلغي هذا الحظر الذي قامت به السلطة الجزائرية ضد قناة الجزيرة فوجود مثل هاته القناة قد يضاعف من صوتنا ويعطي لقضيتنا زخما أقوى.

كم من تلك الأماكن المنسية وكم من تلك الأصوات المختنقة وكم من تلك الوقفات المجهولة وكم وكم جعلتها قناة الجزيرة حديث العالم وقضايا الأمم وفتحت لأجلها الملفات المذخورة لسنين وتوجه صوبها أصحاب القرار بعد هجران طويل.

ومع الحملة غير المسبوقة للأجهزة الأمنية التي نشهدها هاته الأيام ضد المدونين والنشطاء السياسيين وهاته المراقبة من جهاز مكافحة الجريمة الإلكترونية الذي أسس خصيصا لمحاربة النشطاء باعتقالهم وتعطيل حساباتهم وبتشويه كل الأصوات المنددة بسياسة الحكومة الفاشلة ومع قانون المالية لعام 2017 الذي أثار سخط الشارع الجزائري، زادت حدة الاعتقالات والمحاكمات لكثير من المدونين والنشطاء وقد حكمت على بعضهم بالسجن لمدة وصلت لثلاث سنوات وأخرى لسنتين، في ظل هاته الساحة كانت لتلعب قناة الجزيرة دورا مهما في إثارة هاته الأحداث وجعلها داخل الدائرة الإعلامية وإظهارها للعالم الحر وللمتابع العربي خصوصا.

إن رآها البعض صوتا للفتنة فهؤلاء البعض هم صوت مدسوس داخل الشعب وهم من أبواق النظام الذي يخشى من إظهار الحقيقة وكشف وجهه القبيح أمام شعبه، ولو كانت الحقيقة في صفه لما أحدثت كاميرا كل هذا الهلع والخوف ولكن هو خوفهم من الحقيقة ومن وعي الشعوب الذي يجعلها تطالب بكامل حقوقها المهضومة.

نحن كمدونين لنا قضية عادلة علينا أن نلغي هذا الحظر الذي قامت به السلطة الجزائرية ضد قناة الجزيرة فوجود مثل هاته القناة قد يضاعف من صوتنا ويعطي لقضيتنا زخما أقوى وأعلى ويثير زوبعة أقوى ضد الطوق الذي يفرضه هذا النظام علينا، ووجود قناة الجزيرة يقيد يد النظام القمعية ضد أي نشاطات منددة بسياسة الحكومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.