شعار قسم مدونات

سوسيولوجيا الاسترجاع.. نحو مقاربة جديدة

blogs- سوسيولوجيا الاسترجاع
يشير عنوان المقال في شقّه الأول إلى كتاب جديد صدر السنة الماضية، ويتعلّق الأمر بكتاب "في سوسيولوجيا الاسترجاع، مواقف جامعية ساخرة" الذي صدر سنة 2015 عن "دار الأيام للنشر والتوزيع، عمان، الأردن" لصاحبه الدكتور عبدالرزاق أمقران، أستاذ علم الاجتماع الثقافي بجامعة سطيف في الجزائر الشقيقة.
 

ميزة الكتاب أنه يؤسس لمفهوم جديد في علم الاجتماع لم يسبق توظيفه في العالم من قبل، استلهمه صاحبه من "الصناعات الاسترجاعية" التي تعرف رواجا كبيرا في العالم الغربي على الخصوص، تلك الصناعات القائمة على استرجاع النفايات التي تخلّفها عمليات الاستهلاك الواسعة في مختلف المجتمعات، لتقديمها كمادة استهلاكية من جديد.
 

يستلهم الباحث من هذه الصناعة مقاربته الجديدة، حيث يجعل "سوسيولوجيا الاسترجاع" صناعة معرفية شبيهة إلى حد بعيد بـ "صناعة الاسترجاع"، موضوعها استرجاع العديد من القضايا المعرضة للتجاهل والنسيان والضياع، قضايا روتينية عادية لا تثير الانتباه، وتتعلق بالممارسات الشفهية والسلوكية للأفراد والجماعات.
 

هذه المساحات التي يجهلها المجتمع في موضوع الضحك والسخرية، هي من صلب اهتمام "سوسيولوجيا الاسترجاع". فهي تؤدي "وظيفة تعويضية يستفيد منها المجتمع".

تهتم "سوسيولوجيا الاسترجاع" بالمواضيع والقضايا المهملة بحثيا واجتماعيا، وقد تكون من التفاصيل الدقيقة في حياة الأفراد كما قد تغطي عظائم الأمور، ومن المواضيع التي تقترحها المقاربة الجديدة؛ ما يُقال في الفضاءات المغلقة، سواء كانت خاصة بالنساء أو بالرجال، أو فضاءات مشتركة. وكأمثلة على ذلك: فضاء الحلاقة للرجال، فضاء الحلاقة للنساء، قاعات الأساتذة في الجامعة.. ما يُقال في الفضاءات المفتوحة، وأمثلتها: صيغ المعاكسات في الحدائق العامة، أساليب الإشهار عند الباعة الجائلين، أغاني المشجعين في ملاعب كرة القدم.. ما يكتبه الشباب على جدران المدينة، وما يكتبه الطلاب على أوراق الامتحان من تعاليق ليس لها علاقة بفحوى الأسئلة..

 

يتألف الكتاب من أربعة أقسام: قسم أول خصص لعرض أسس ومبادئ التصور الجديد في علم الاجتماع، وهو سوسيولوجيا الاسترجاع. هذا القسم موجه للمتخصصين والدارسين لعلم الاجتماع، وقراءته تتطلب رصيدا متخصصا أكيدا. أما القسم الثاني، فهو جرد لمجموعة من المواقف الساخرة الواقعية التي عايشها الكاتب أو التي نقلت إليه فتعامل معها صوتيا.
 

وفي القسم الثالث أدرج الكاتب مجموعة من العناصر اعتبرها على قدر كبير من الأهمية لمن يهتم بدراسة ظاهرة الضحك في المجتمع. هذا القسم بعناصره قد يـؤلف إطارا نظـريا عمليا للباحث بما يغطيه من محاور تقع في فضاءات إبداعية مختلفة مثل: المسرح، السينما، الصحافة الساخرة، المونولوج، الكاريكاتير، النكتة السياسية أما القسم الأخير فيهتم بعرض مجموعة من النماذج البحثية التي أنجزت من طرف مؤلف الكتاب في سياق سوسيولوجيا الاسترجاع.
 

يقترح الباحث موضوع "السخرية في الجامعة" كتيمة اشتغلت عليها عدة تخصصات أكاديمية ومع ذلك مازلنا نجهل عنها الكثير، هذه المساحات التي يجهلها المجتمع في موضوع الضحك والسخرية، هي من صلب اهتمام "سوسيولوجيا الاسترجاع". فهي تؤدي "وظيفة تعويضية يستفيد منها المجتمع"، وبهذا المعنى أصبح بالإمكان فهم أسباب الاهتمام بموضوع "السخرية في الجامعة"، وبنفس المنطق يمكن الاهتمام بالسخرية عند فئات مهنية أخرى، إذا كان المعيار هو الفئات المهنية "السخرية عند الفلاحين، السخرية عند عمال القطاع الصناعي"، كما يمكن دراسة السخرية في ضوء معيار الجنس "السخرية عند الرجل، السخرية عند المرأة"، وكذلك في ضوء معيار المراحل العمرية "السخرية عند الشباب، السخرية عند الشيوخ".
 

هذا الكتاب موجه في المقام الأول للدارسين لعلم الاجتماع يدعوهم إلى التفكير في تلك المواقف كمادة خام مساعدة لمن يريد أن يدرس ظاهرة الضحك والسخرية في الجامعة، موجه كذلك إلى أساتذة وطلبة فروع معرفية أخرى قريبة من علم الاجتماع، وهم مطالبون أيضا بتوظيف المواقف الساخرة الواردة في الكتاب في بحوثهم العلمية لإعادة بناء موضوع الضحك والسخرية في الجامعة بما يخدم الفروع المعرفية التي ينتمون إليها.. وفي الأخير، الكتاب موجه للقارئ العادي الذي يُـقبل على الكتاب بغاية الترفيه. هذا الصنف من القراء مطالبون بدورهم بنشر ثقافة الضحك والسخرية عن طريق السرد، وبذلك يساهمون في محاصرة بعض الصور الاجتماعية التي يُشْحَنُ بها المخيال الاجتماعي وأغلبها سلبية.
 

وجدير بالذكر في الختام إنه من خلال اتصال جانبي مع المؤلف أكد عزمه على التنسيق مع الباحثين العرب وخاصة العاملين في فضاء المغرب العربي بغاية بلورة تصور أكبر وأقوى للطرح المبين أعلاه، وقد يتجسد هذا التنسيق في مجموعة كتب ثنائية وجماعية تعود في الأخير للكتاب الجامع المؤسس الحقيقي للمفهوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.