شعار قسم مدونات

ثورة يناير!

(FILE) - A file picture dated 11 February 2011, shows Egyptian anti-government protesters demonstrating after the Friday prayer at Tahrir square in Cairo, Egypt. On the sixth anniversary of the 25 January 2011 uprising in Egypt Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi said on an official televised address that '25 January 2011 revolution will remain a turning point in this country's history. More than 800 people were killed and thousands injured during the 18-day uprising against the Egyptian regime which led to the removal of President Hosni Mubarak on 11 February 2011. EPA/ANDRE PAIN *** Local Caption *** 50212006
أرسلت لي صديقتي جهاد مقطعًا يحتوي على مزجٍ لأغاني ولحظات من ثورة يناير، علقت لها عليه سريعًا دونما أن أخبرها أنّني لم أستمع إليه، ليس لشيءٍ غير أنّي أهرب من كل هذا الثقل والتعب والبكاء، وكل تلك المشاعر التي أعلم تمامًا أنّني سأشعر بها بمجرد تشغيل المقطع. أنا لا أحب تلك الحالة ولا أعلم ماهيتها. لكني أعلم كذلك أنها ليست حالة خاصة متعلقة بي وحدي. هي حالة عامة ربما لهذا الجيل من الشباب الذي كتب عليه أن يحيا في زمن "الربيع العربي"!

 

أنا لا أعلم توصيفًا دقيقًا لهذة الحالة، لكنها خليط عجيب من حزنٍ وفرحٍ. ومن يأسٍ وأملٍ، من حنينٍ لأيامٍ خلت، ومن هروب تامٍ منها في الوقت ذاته، وخليط من تيهٍ وضياعٍ وقلة حيلة! يقولون إن الجمال يكمن في البدايات، ويقل تتدريجيًا حتى يتلاشى، ربما هو ذاك. ربما يناير قبل ستة أعوامً كانت جمالنا الذي اختفى تمامًا. ينايرالذي شعرنا فيه -ولو خلسةً- أننا نستطيع أن نغير الكون ولو لأشهرِ قليلةِ. إننا نستطيع أن نهتف ونصرخ ملء أفواهنا وقلوبنا وعقولنا "ارحل"! كلما شعرت بالبرد ينخر في عظامي وقلبي تذكرت ما قاله الشاعر:

هذه ليست لطميات ولا كربلائيات ولا بكائيات، لكنها حديث النفس الذي لا ينتهي منذ أن بدأ قبل ستة أعوام، وهو على أي حال ليس من باب الندم على الثورة ولا الردة عنها. لكن لعله من باب محاولة الفهم لما وصلت إليه الأمور.

"كانت تداعبنا الشوارع بالبرودة والصقيع ولم نفسر وقتها
كنا ندفئ بعضنا في بعضنا ونراك تـبـتسمين ننسى بردهـا".

هكذا كنا تمامًا.كان هناك شيء ما أكبر من لسعات البرد وقطرات المطر، شيء ما يشبه الأحلام العابرة. شيء ما يشبه السراب الذي يحسبه الظمآنُ ماء، فيهرول نحوه ثم فجأةً يكتشف أنه مجرد سراب. كثيرًا ما أحدث نفسي: ماذا لو أننا حذفنا يناير من ورق الرزنامة؟ ومن العام كله لعلنا حينها نستطيع أن نحذفه من ذاكرتنا، تبدوفكرة مجنونة وغير منطقية على الأقل لو فعلتها أنا، هل تفعلها أمهات الشهداء؟! بالمناسبة هل ينبغي علينا التفكير دومًا في أمهات الشهداء وماذا فعلنا لهم وماذا نفعل لهم؟ ما جدوى كل تلك الأسئلة وكل هذا التفكير، إنه يجلب مزيدًا من التعب والشتات!
 

هذه ليست لطميات ولا كربلائيات ولا بكائيات، لكنها حديث النفس الذي لا ينتهي منذ أن بدأ قبل ستة أعوام، وهو على أي حال ليس من باب الندم على الثورة ولا الردة عنها. لكن لعله من باب محاولة الفهم لما وصلت إليه الأمور، وكيف يمكن لثورتنا التي عشناها وكانت لنا كمشكاةِ أن تصل لهذا الطريق المظلم؟ هل تكالب على الثورة أعداؤها أم تكالب عليها ثوارها؟ هل كان ينبغي أن يتهيأ الشعب للثورة أكثر؟ كيف يمكن تهيئة الشعوب أصلًا؟ إذا حرم الإنسان من الكرامة والحرية والحياة الآمنة فما الذي ينقصه لينتفض؟ 
 

بعد ست سنوات عجاف يأكلن ما قدم لهن من دماءٍ وتعبٍ ومن زهرة أعمارنا لا شيء نقوله سوى كلمة قالها العم التونسي: "هرمنا"، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ومن ثقلٍ وهوانٍ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.