شعار قسم مدونات

التيارات الإسلامية إلى أين؟

blogs- التيارات الإسلامية
رجعت التيارات الإسلامية للمنافسة وبقوة على الحكم في كل من المغرب والأردن، ولوهلة واحدة ينتابنا قلق من تصدر مثل هذه التيارات وعودتها للصراع السياسي في المغرب والأردن؛ خشية أن يحل بها مثلما حدث في مصر وتونس على الرغم من وصولهما للرئاسة بطرق سلمية من خلال صناديق الاقتراع.

ولكن المنافسة الشديدة لهم من قبل العلمانيين -المتطرفين- جعلتهم يكيدون لهم المكائد لدرجة تعديهم على العملية الديمقراطية برمتها، وذلك من خلال القيام بانقلابات عسكرية بعد فشلهم في تأليب الشارع العام ضدهم، وهذا ما جعلنا في قعر الأمم لا نحن استطعنا تجاوز استبداد السلطة الدينية واحتكارها للسلطة تحت اسم الإرادة الإلهية كما فعل الأمويين وما ابتدعوه إبان حكمهم "بالجبرية" ولا نحن استطعنا تشرب الديمقراطية المستقاة من العالم الغربي بعد ما عانوه من حروب دامية في سبيل التخلص من الطغيان الديني من أجل إعلاء القيمة الإنسانية.

لابد وأن تقود النخبة المثقفة السياسية مسؤولية توعية شبابنا بحقوقهم السياسية، دون التعصب أو العمل لحزب معين والعمل على تلميعه على حساب حقوق أجيالنا الحالية والأجيال القادمة.

وهذا ما استطاعت تركيا الحفاظ عليه مؤخرا بعد حادثة الانقلاب الشهيرة على أردوغان، حيث وقفت التيارات المعادية لحزب العدالة والتنمية بجانبه ليس احتراما منهم للحزب نفسه، وإنما احتراما لمسيرة الديمقراطية في بلادهم على الرغم من التناقض التام الصريح بين معتقدات التيارات في تركيا، وهو ما عجزت عن تطبيقه الدول العربية.

وفيما يخص ضعف المسيرة الديمقراطية في بلداننا العربية، يعزو كثيرون فشلها بما يحكاك ضدها من مؤامرات خارجية تهدف لتشتيت البلدان العربية وهو للأسف ما تقوم المناهج العلمية بتدريسه لطلاب الجامعات؛ لحشو رؤوسهم بمثل هذه الأفكار غير المنطقية، والتي تخفي خلفها ظلم واستبداد الحكام الفسدة، إن صح في بعض أوجهه من خلال دعم الانقلابات بأيدي خفية من قبل الدول العظمى ذات المصلحة في صعود تيار على آخر.

إلا أنه يخفي السبب الرئيسي لعدم مقدرة شعوبنا بأجيالها الشبابية على تشرب الديمقراطية، والسبب حتما هو ضعف قدرات شعوبنا المعرفية فيما يخص الأمور السياسية، حيث حرمت لقرون من معرفة أبسط حقوقها في التخصصات السياسية التي تطرح في الجامعات العربية، وقد انعكس ذلك على حرمان المواطن العربي من التمتع بحق "المواطنة" الذي يسمح له بالعيش مكرما في أرضه. دون إبداء أي استياء نظير حرمانه من مثل هذا الحق، لأنه وببساطة لا يعي الحقوق المستحقة له من وراء هذا المصطلح.

وفي هذا السياق، لابد وأن تقود النخبة المثقفة السياسية مسؤولية توعية شبابنا بحقوقهم السياسية، دون التعصب أو العمل لحزب معين والعمل على تلميعه على حساب حقوق أجيالنا الحالية والأجيال القادمة، وذلك من أجل أن لا نقع ضحية للتطرف الفكري، فالتيارات جميعها لابد وأن تأخذ فرصتها في الحكم بإرادة الشعب لخدمة الوطن بعد نبذها للعصبية وفكرة إقصاء الآخر، في ظل ما تؤمن به التيارات الإسلامية المتشددة بعدم أهلية العلماني أو الليبرالي أو حتى المرأة بتولي شؤون المسلمين -الحكم-، مستدلين بنصوص مقدسة على ذلك. إضافة لتقديمهم المشروع الأممي على المشروع الوطني، إيمانا منهم بأن ما يفعلونه ما هو إلا ضرورة دينية تقع على عاتقهم كأصحاب مشروع إسلامي متشدد ينوب عن الله في حماية الطائفة الحقة -كما يزعمون- في ظل التشرذم الذي يعيشه العالم العربي الإسلامي حاليا.

وفي الناحية الأخرى، نجد العلمانيين أو الليبراليين الذين يقفون في وجه أي محاولة لرجوع أي تيار ديني لممارسة السلطة؛ متعذرين بتاريخهم المليء بالصراعات المذهبية، وهذا الأمر لا يعطينا الحق برفض صعود أي من هذه التيارات لسدة الحكم تحت مظلة نظام ديمقراطي يختاره الشعب بنفسه. ففي النهاية الديمقراطية تعني حكم الشعب للشعب، وبالتالي لا يوجد أحرص منه على مصلحته من نفسه، فإن لم يعجبه ممارسة تيار يدعي إعلاءه للحرية الفردية أو حتى تيار يدعي تطبيقه للقيم الدينية، فإنه يستطيع بعد انتهاء مدة رئاسته تنحيته وإيصال غيره لمكانه من أجل تحقيق نهضة بلاده السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.