شعار قسم مدونات

أثرُ الكلمة

blogs - talk
جميل أن نعلم أبناءنا أن الكلمة كالسيف! كلمة تدخلك في الإسلام، وكلمة تخرجك منه.. كلمة تؤلف بين قلبين، وأخرى تفرق بينهما.. كلمة تجبر قلبا مكلوما، وأخرى تدميه من فرط الألم والحزن.. كلمة تنصر المظلوم، وكلمة تعين الظالم. لكن للأسف، صارت الكلمة عند "الشعب العربي" مشكوك في مصداقيتها، بل وصار هنالك "وعد شرقي يضرب به المثل، ليس في دقة الالتزام والوفاء بها، وإنما في الإخلال بتلك الكلمة! حتى أصبحت عبارة: "إن شاء الله" تعني لا!

مازلت أتذكر ذلك الصبي الذي سال والده: "أبي هل سنذهب كما وعدتني إلى بيت عمي؟"، فأجابه: "إن شاء الله". فرد عليه الصبي بصوت حزين: "تعني لا يا أبي". مازلت أتذكر تلك الصديقة التي انتظرتها طويلا، لتفاجئني بعد عشرين دقيقة برسالة تقول فيها: "نلتقى يوما آخر.

يجب أن يعلم أبناؤنا أن للكلمة حرمة، ولا يصح أن يكونوا كمن يتكلمون فيكذبون ويعدون ولا يوفون!

ليست لي رغبة في الخروج اليوم"! مازلت أتذكر تلك الشابة المفعمة بالحيوية، التي قال لها خطيبها يوما: "إن ما يؤلمك يؤلمني" ولكن بمجرد أن غادر بيتها، وقعت عيناه على حسناء جميلة، ليرسل بعدها لخطيبته رسالة من ثلاث كلمات كانت كالسيف قاطعة: "لا نصلح لبعضنا"! ومضى في سبيله ولم يتذكر أنه حمل قلبها معه!

مازلت أتذكر دموع عجوز مكلومة، تقول بكلمات حزينة: ثلاث سنوات من الانتظار! ولم أحصل بعد على بطاقة التغطية الصحية، وكلما استفسرت أخبروني بأنها قريبة.. هل أموت ألما وليس لي مال للعلاج؟ وتلك السيدة التي كادت أن تصاب بانهيار عصبي لأنها اكتشفت أن الطبيب كذب عليها، وأوهمها باحتياجها إلى عملية جراحية عاجلة، بينما كان همه المال فقط! وذلك المعلم الذي طلب من تلميذته أن تلقي بأخرى أرضا لتتمكن من تجاوزها في السباق.

وذلك الزوج الذي قال: "طالق" لزوجته لأنها لم تعد تعجبه بعد سنوات من العشرة. وتلك الممرضة التي كانت تقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، وعندما استنجد بها أحد المرضى صرخت: "ما بالكم لا تحترمون القرآن". وذلك وتلك وأولئك.. والعديد منهم قد يصعب حصرهم في مقال! إذن، كيف لنا أن نلوم "السياسي" و"رجال السلطة" لكذبهم في وعودهم؛ إذا كان "جل الناس" وعودهم جوفاء؟

هل أدرك ذلك الأب أن ابنه كره الدين؟! هل أدركت تلك الصديقة أن خيبة الأمل محبطة؟! هل أدرك ذلك الخاطب أن خطيبته كرهت العاطفة وكفرت بها؟ هل أدرك ذلك المسؤول أن عجوزا تتضرع إلى ربها شاكية منه ومن تقصيره؟ هل أدرك ذلك الطبيب أنه خان الأمانة التي أقسم على حفظها؟ هل أدرك ذلك المعلم أنه زرع الشقاق بين تلاميذه؟ هل أدرك ذلك الزوج أن زوجته أصيبت بالعمى من هول الصدمة؟ هل أدركت تلك الممرضة أنها عابدة جاهلة؟ وغيرهم كثير.
 

لذا يجب أن يعلم أبناؤنا أن للكلمة حرمة، ولا يصح أن يكونوا كمن يتكلمون فيكذبون ويعدون ولا يوفون! يجب علينا أن نعلمهم بأن ألم نكث الوعد شديد، وأن نعلمهم كيف يحمون قلوبهم من كلمات الآخر، ومن خيبات الأمل تلك. وليكن شعارنا وشعارهم قول الله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ (الإسراء: 34) صدق الله العظيم .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.