شعار قسم مدونات

الْكُتَّابُ وَالْجَانِبُ الآخر

blogs - كتاب

"الحياة -وإن تكن فقط تراكما للمعاناة- هي غالية علي وسوف أدافع عنها."
مقتنعة جدا بأن الحياة يجب أن تُعاش، وأنها شروق شمس عظيمة، وكما قيل "كأنما الحياة رغم فواجعها مجرد نكتة هائلة لا تستحق منا بعد البكاء إلا الضحك"، وأن حياة واحدة لا تكفي، أشقى وأكافح وأجاهد، رغم كل ما يحدث وما سيحدث، لدي القدرة على المواصلة لآخر نفس يخرج.

لكن، تصر الروايات والكتب على أن تعمى عن كل ما هو جميل، تسعى جاهدة في الصعود إلى الهاوية، فيقوم بعض الكتاب على مضاعفة الصراع وشرحه وتفصيله، ليقوم القراء بدورهم باكتساب الصراع النفسي وزراعته في أنفسهم، والقيام بإثارة طرح الأسئلة الوجودية، ويجسد الكاتب الألم النفسي الذي من الممكن أنه لم يشعر به يوما أو شعر بنسبة أقل من الذي ذكره، فيدفع الإنسان إلى الإسراف في إدراك الأشياء والشعور بها كمرض تمكن من جسده، ويصور الشقاء في كل الأشياء وفي كل الأوقات.

كلما قرأت أكثر كلما بنيت أشياء مهدمة من الداخل، وزرعت أنت على أي جانب، اكتب وفي أي حال سأصبح صديقك، وأقنعك بأن الحياة يجب أن تعاش.

دستويفسكي العظيم، أو مهلا! دستويفسكي المكتئب صانع الوهم، لم كتبتَ كل هذا! ولم تدفعنا إلى التفكير بكل شيء لا يمكن لأحد تحمله! تصنع الضجر في كل تفصيل صغير، وكما قلت: "أحلف لكم بمغلّظ الأيمان أيها السادة أن الإسراف في إدراك الأشياء والشعور بها مرض، مرض حقيقي، مرض كامل" فلم تدفع الآخرين إلى الإسراف في الشعور، إن مرضك وَهْمٌ وداءك وهم ونفسك وهم وأصبحنا نحن أوهاما، لقد سيطرتَ على عقول القراء، لقدرتك على صناعة الوهم وتصويره، ألم تؤلمك التعاسة وهي جاثية على جنبيك، أتعلم أن ليس هناك شيء حقيقي! فحتى المشاعر مزيفة من حب وكراهية أو حتى اكتئاب حاد! يمكنني بضربة واحدة على رأسك إصابتك بالزهايمر، وعندئذ كل شيء سيتلاشى وستفقد كل مشاعرك وهمومك، أظن أنك تكتب لتنقذ نفسك، ولكنك تغرقنا بالعتمة، بالكاد نستطيع النهوض لمواصلة تفاصيل الحياة الضرورية، نصوصك رصاص تقتل فيها كل من يقرأها.

ولكن أيضا، من الجانب الآخر للكون، هنا الكتاب المتفائلون! أصحاب الكتب المقيتة، والتفاؤل والابتسامة وطريق التنمية البشرية، فظاعة لأطراف الحدود، يفرحون لمجرد شروق الشمس وبتشبيه متكلف ومصطنع، ساذجون لدرجة كبيرة، لا يقفون حتى للبكاء على أحزانهم لفترة قصيرة، تتملكهم السعادة دون سبب ويغرقون بها، أصحاب النهايات السعيدة واللطيفة، أصحاب الفرح اللامحدود لا شيء يستحق.

القراءة تعني مرور الضوء، السماء، الشمس، والإطلالة على بيتك.. الإطلالة هذه قد تكون أي شيء أنت تختاره.. ضجر، سواد، تفاؤل، حياة طبيعية، أصدقاء وعائلة، خيال وغيوم، غراب، مطر وشواطئ زرقاء، كلما قرأت أكثر كلما بنيت أشياء مهدمة من الداخل، وزرعت أنت على أي جانب، اكتب وفي أي حال سأصبح صديقك، وأقنعك بأن الحياة يجب أن تعاش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.