شعار قسم مدونات

هل الاندماج ممكن.. أم مجرد وهم؟

blogs- الاندماج
واحد من أهم المواضيع التي عملت عليها وما زلت منذ قدومي إلى أوروبا هو تحقيق الاندماج بين ثقافتين مختلفتين تماماً، ثقافتي وثقافة البلد الذي قدمت إليه. لأكون صريحاً أكثر: بين ثقافتي وثقافات متعددة، فوجودك في أوروبا اليوم في دولة من الدول سيعرّضك للاحتكاك بمواطنين من دول أخرى أيضاً. أوروبا لا تعرف معنى الحدود. 3 سنوات مرّت على وجودي هنا في البرتغال، سأضع عنواناً واضحاً لهذا الموضوع، الاندماج ممكن وبسيط إذا فهمنا ما المعنى الحقيقي للاندماج بين حضارات أو بين ثقافات مختلفة.

الفكرة الأولى التي سأتحدث عنها في هذا المنشور والتي يجب أن يعرفها الجميع أن كلمة "الاندماج" لا تعني التخلي عن أفكارك ومبادئك وأخلاقك"، بالمناسبة، هؤلاء البشر أيضاً لديهم أفكار ومبادئ وأخلاق، في بعض الأحيان سامية أكثر من أفكارنا ومبادئنا وأخلاقنا. لذلك هذا ليس المقياس. المقياس هنا هو مدى احترامك لهم ولنظرتهم للحياة. أنا بالطبع لست مجبراً على القبول بكل شيء في حياتهم، لكنك مجبر على احترام خياراتهم "لكم دينكم وليا دين".
 

أنت رسول لحضارتك وثقافتك وديانتك، مسؤوليتك مضاعفة فأنت اليوم لن يقال عنك فلان الفلاني سرق، سيقولون هذا العربي، هذا السوري أو اللبناني أو.. هذا المسلم.

أنا هنا اليوم أصوم وأصلّي وأقراً القرآن ولن يستطيع أحد أن يتدخّل في عباداتي وعقيدتي، مشكلتنا عندما نفكّر بالاندماج على أنه تخلّي وننسى الفرصة المهمة جداً التي من الممكن أن تكتسب من خلالها علم وثقافة وخبرات جديدة من وراء هذا الاندماج. لا أقصد بالاندماج أن تشاركهم بكأس من الخمر أو تمارس أشياء لا ترضاها أخلاقك، الاندماج أعمق من ذلك. أن تندمج بثقافة جديدة هي أن تعرف طريقة عيشهم، طريقة تفكيرهم، أهدافهم، كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، نظرتهم في الحياة والعمل الذي وصلوا إليه.

شئت أم أبيت أوروبا اليوم مركز من مراكز العلم في العالم، شئت أم أبيت كل ما تمتلكه اليوم من وسائل تكنلوجيا صنعت من بين أيديهم، ستخبرني أن أصل العلوم كان من العرب والمسلمين.. سأقول نعم ولكن خسرنا كل تلك العلوم واليوم نحن أجهل خلق الله. وهم عرفوا كيف يستخدموها ليخدموا البشرية باختراعات واكتشافات لولاها لما كنت ترى ما أكتبه أنا الآن.

توكّل على الله وضع خطوطاً أساسية في حياتك في المجتمع الجديد، والغالبية من الأوروبيين على مستوى كافي من الاحترام والوعي ليحترموا خطوطك وعاداتك ومبادئك. أنت إن كنت تفكر بتحقيق نجاح في مكان غير وطنك، لن تستطيع ذلك إن لم تندمج في المجتمع الجديد.

وعلى فكرة، أنت رسول لحضارتك وثقافتك وديانتك، مسؤوليتك مضاعفة فأنت اليوم لن يقال عنك فلان الفلاني سرق، سيقولون هذا العربي، هذا السوري أو اللبناني أو.. هذا المسلم. إن أسأت ستسيئ لمئات الآلاف من الذين يحملون هويتك وثقافتك، وإن كنت إنسان صالحاً ستمثّلهم خير تمثيل، تحمّل هذه المسؤولية فأنت قادر على ذلك إذا أدركت فعلاً أن حياتك في مجتمعك الجديد ليست صراعاً معهم ومع حضاراتهم على العكس، أنت في فرصة ذهبية لتكتسب أشياء جديدة في حياتك، ولتعلّمهم أشياء ومفاهيم جديدة لم يعرفوا بها من قبل.

هذه الحرب خرّبت كل شيء، كلنا خرجنا من هذه الحرب ضعفاء ومستضعفين، طلّاب السيد المسيح -عليه السلام- كانوا قلّة وانتشروا في الأرض، واليوم تعاليم المسيحية منتشرة في كل أرجاء العالم لأنهم أخلصوا فيما فعلوا وآمنوا به.

سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلم- أرسل المبعوثين إلى كل مكان في الكرة الأرضية، كان يعلم ما أثر الكلمة الطيبة في نفوس البشر، الله خاطبه وقال "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك". الخيار خيارك الآن، والمستقبل بين يديك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.