شعار قسم مدونات

من امرأة في بلاد الشام إلى سكان الأرض؟

blogs- حلب
كان يوماً ماطراً مشبوحاً بغيومٍ صفراء ذات رائحةٍ كريهة ونحن نمضي بالطرقات بحثاً عن شيءٍ نأكلهُ، حيث أننا أمضينا ثلاثة أيامٍ مختبئين في مغارةٍ على أثر القصف الذي كان يتصاعد على غير عادة؟! ابنتي أنهكها العطش والجوع وأنا تعبت من الفرار من الغارات، وقررت أن أكمل طريقي إلى حيث يأخذني القدر، ولست مهتمة ببرميل خارج عن القانون يستقبلنا بحفاوة أو يمزق أشلاءنا ؟!

مزقتُ شالي وجعلت منه كمامتان لي ولابنتي حتى نتفادى الموت اختناقا من الروائح السامة التي تعصف في الأرجاء، فبعد أن قررت روسيا أن تستخدم قنابلها النووية أصبح مشروعهم أكثر نجاحاً، واستطاعوا أن يتخلصوا من المتطفلين على أرضهم "السورية"! ولأن الحدود قريبةً من الأردن وفلسطين والعراق ولبنان فكانت صفقة ناجعة لاختصار الاستنزاف الحربي الذي أرهق مخزونهم الاقتصادي.
 

بدأنا نسمع أصوات همهماتٍ وصراخٍ يصدر على بعد 50 مترا من موقعنا، فزعت وحملت ابنتي وضممتها على صدري ودعوت أن لا تكون قوات الرعب قادمةً نحونا.

تلك الكارثة النووية كانت كفيلةً بأن تتخلص من الفائض البشري العربي المسلم الغير مرغوب فيه على أراضيهم! ولكن بقي القليل من الذين ساءهم حظهم ليشهدوا ما تبقى على نهاية العالم، ولا أدري بعد أن تغيرت تضاريس الأرض أين نحن الآن؟! ولكني أستطيع أن أقول أننا في كل مكان حيث أن الأرض باسطة ذراعيها على جثثها، لا حدود تفصل بين الجبهات، ومعظم الجبال التي كانت تشي بجغرافية المنطقة تساوت مع الأرض! ربما نكون في بلاد الشام!

كلما مشينا للأمام نستشعر أحداً يمشي خفيةً من خلفنا، وكنت كلما أنظر خلفي لا أجد أحدا؟! أغلب الوجوه التي بقيت على قيد الحياة مشوهةً، وملامحها تعصى على التوصيف، هم عبارة عن وحوشٍ بشرية لم يحالفهم الحظ بالموت جراء قصفٍ أو نووي أو قنابل عنقودية؟! لم أذكر لكم الأجساد المقطعة والأقدام المتدلية والأمعاء التي تفترش الأزقة والنواصي، ومؤكداً لن أصف لكم الرؤوس التي تتدحرج وتصطدم بأقدام العابرين من هنا ؟!

جثث الأطفال اختلطت بجثث الأمهات، وربما التحمت وذابت وكوّرت على بعضها فلم أعد أفرق هل هذه يد طفلٍ على صدر أمه ارتجى رشفة حليبٍ دافئة من صدرها قبل الموت؟ أم أنه خرج مُكرهاً من بطنها على أثر شق جسدها ولُفت ساقه بساقها وحبل حياته بسُرتها وغادروا على هذه الشاكلة ؟! كثرة المجازر التي وقعت تجعل الوصف معجزة.

قبل أن تقرر القوات الروسية بالتعاون مع أمريكا وإيران واسرائيل وكوريا استخدام النووي، أصاب العرب في بلاد الشام حالة مرضية نادرة حيث أصبح الأب يقتل أبناءه واحداً تلو الآخر، ويوزع لحمهم على فتراتٍ ليقتات وباقي أفراد العائلة منهم إلى حين أن ينتهي أبناءه فيقتل نفسه. حتى أصبح دم الإنسان للإنسان مستساغ ؟! وكل هذا لأن أحدهم قرر أن يرفع سعر رغيف الخبز لمائة دينار؟! ومن يملك هذا المبلغ لشراء الخبز؟!

لا وجود للبنان وسوريا والعراق وليبيا وتونس والأردن وباقي البلاد العربية كافة، وآخر ما صمد من البلاد العربية الكعبة المشرفة والأقصى الشريف وكنيسة القيامة.

الجوع كافر، وفي هذه الحقبة الزمنية الجوع قاتل ويفتك في العقل والصبر والأمعاء. أتذكر في مرةٍ كنت توضأت واستقبلت القبلة قبل أشهرٍ من انهيار العالم، وعندما كنت على وشك التكبير وقراءة الفاتحة سمعتُ صوت جارتي تصرخ بهستيرية، وصوت بناتها يرافق صوتها؟! تلفت عن يساري وأكملت صلاتي، حيث أني عرفت بأنهم أتوه ليفاوضوه على عرضه أو اغتصابهن أمامه فهو اختار أسوء الشرين ؟ تسألني ابنتي متى نصل؟ لم أستطيع الإجابة، ليس لأني فقدت الإحساس بالوقت بل لأني لا أعلم وجهتي ؟!

بدأنا نسمع أصوات همهماتٍ وصراخٍ يصدر على بعد 50 مترا من موقعنا فزعت وحملت ابنتي وضممتها على صدري ودعوت أن لا تكون قوات الرعب قادمةً نحونا، بالنسبة لي، القنابل والرشاشات نعيماً بالمقارنة معهم فهم يتمتعون ويتلذذون في قتل وتشويه وتعذيب الآدميين! الصوت يقترب وأنا ما زلت أبتعد بعقلي عن هذه المشاهد التي داهمت مخيلتي بمصيرنا، بضع ثوانٍ كانت كفيلةً بأن تصيب قدماي بالوهن وسقطت بدل أن أبتعد!

ابنتي خلقت لنفسها طوق نجاة على رقبتي وتشابكت أصابعها خلف رأسي لدرجة أني شعرت بأطرافها تغرس بلحمي، ولم أمانع بذلك بل أصابني شعور غاب عني ب "الطمأنينة"! كل ما أعرفه أننا اليوم محكومون من قادةٍ ما زالوا يتنازعون على ما تبقى من أشلاءنا وما زالت الحرب مستمرة، وسمعت منذ أسبوعٍ مضى من أحد الفارين بأن روسيا تضرب أمريكا بالصواريخ والأخيرة تناور، وأن إيران اتفقت مع إسرائيل بتوحيد قوتهم وخلق زعزعة بين الطرفين الروسي والأمريكي لتكون لهم الساحة الشرق أوسطية خالية من الأجندات التي تهدم حلم الكيان الصهيوني في بناء دولة عظمى له.

لا وجود للبنان وسوريا والعراق وليبيا وتونس والأردن وباقي البلاد العربية كافة، وآخر ما صمد من البلاد العربية الكعبة المشرفة والأقصى الشريف وكنيسة القيامة، وهذا ما يزيد حنق الإسرائيليين؟! إذا شاهدتموهم أخبروهم بأنهم كغيرنا لن يبقى منهم أثر علهم يتراجعون عن قراراتهم، أما إذا توقفت عن الكتابة فأعلموا بأننا ارتقينا وابنتي إلى حيث لا خوف ولا جوع ولا ظلم. انتهى … (من خيال الكاتب) 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.