شعار قسم مدونات

الغرب.. من.. إلى

With his image projected upon a huge screen, U.S. President Donald Trump speaks at the Conservative Political Action Conference, or CPAC, in Oxon Hill, Maryland, U.S., February 24, 2017. REUTERS/Kevin Lamarque
لم تمض ساعات طويلة، فما إن وقع ترمب -الشخصية الأكثر جدلا لهذا العام على ما يبدو- على قراره الإداري المتعلق بوضع قيود على استقبال اللاجئين والقادمين من ست بلدان عربية وإيران السابعة، حتى هبت أصوات معارضة شعبية ونخبوية من قضاة وسياسيين ومحامين وأصحاب شركات كبيرة وفنانين وصولا إلى مواطن الشارع في الولايات المتحدة واصفة القرارات بالعنصرية ضد الفئات المسلمة على وجه التحديد.
 

وبالرغم من الادعاء القائل بأن قرارات من هذا النوع إنما هي في صالح حماية الأمن القومي الأمريكي من "إرهاب اسلامي" قادم ومحتمل افتراضا من الدول المشمولة بالقرار، إلا أن ذلك لم يشكل سببا أو كذبة كافية لإقناع جزء من الرأي العام والنخبوي الأمريكي..
 

فتتساءل مواطنة أمريكية في تعليق لها على إحدى صفحات الفيس بوك باللغة الإنجليزية "إن كان همك الأمن القومي الأمريكي -مخاطبة ترمب- فلماذا لم تشمل بقرارك البلدان التي جاء منها خاطفو الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر أيضا؟!" وبصرف النظر عن اختلافنا مع منطق التساؤل فإنه يوجه النظر إلى أن القرار ربما جاء مفصلا على مقاس مصالح الأخير الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.
 

قيم مثل الحرية الفكرية وقيمة الفرد شكلت عاملا هو الأهم في تطور العالم الغربي وأسبقيته في التقدم العلمي والتكنولوجي والفكري حتى تأثر باقي العالم بقيمه ما ضر منها وما نفع..

غير أن تلك الإجراءات الاحترازية ضد ما سمي تضليلا "إرهابا إسلاميا محتملا" وبتناقض عجيب ما لبثت أن طالت ذات "الإرهابيين المسلمين"!! حيث تم استهداف مصلين في وقت صلاتهم في جامع في مدينة كندية ليذكرنا الحادث بذات الجريمة التي ارتكبها متطرف صهيوني بحق مصلين في الحرم الإبراهيمي في الخليل قبل أكثر من عشرين سنة مضت. فيما تشهد القارة الأوروبية تصاعدا للتيار اليميني في الأوساط السياسية، فمزاحمة الأعداد المتدفقة من اللاجئين خلقت حالة مجتمعية جديدة تمثلت في شعور الأوروبي في المنافسة على مساحته الجغرافية وحتى بنيته المجتمعية مما ساهم في تصاعد اليمين المحافظ وتوسع خطابه..
 

يمثل هذا التحول الأمريكي الجديد وبالتزامن مع تصاعد للتيار اليميني في القارة الأوروبية أيضا تحولا في توجهات العالم الغربي، فمن عالم غربي مفتوح ومنفتح على الآخر أو "مخترع" للعولمة -إن صح القول- إلى سيادات تتلمس خطرا حضاريا فتشجع انكماشا نحو خطاب أكثر انغلاقا وشعبوية.. ومن أمثلة ذلك ما ورد على لسان ترمب في أحد مقابلاته "لن نسلم هذا البلد ومواطنيه بعد اليوم لألحان العولمة الزائفة، لن يشعر بعد اليوم مواطن أمريكي أن احتياجات الآخرين -من لاجئين ومقيمين من أصول أخرى- تأتي سابقة أو موازية لاحتياجاته".
 

هذا التحول يفرضه تصاعد تيار يميني في الأوساط السياسية والتنفيذية سابق في كثير من الأحيان للرأي العام الغربي ومتناقض مع قيم أساسية قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة ابتداء، فقيم مثل الحرية الفكرية وقيمة الفرد شكلت عاملا هو الأهم في تطور العالم الغربي وأسبقيته في التقدم العلمي والتكنولوجي والفكري حتى تأثر باقي العالم بقيمه ما ضر منها وما نفع..
 

ومن منطلق الحرية نفسها وتزايد المخاوف من المنافسة الفردية والمجتمعية يتسارع صعود اليمين تسارعا ينذر بزيادة في الاستقطاب السياسي والفكري على نحو غير مسبوق، قد ينقلب فيه سحر العولمة على الساحر بانحسار الدول الغربية من مروجة للعولمة والانفتاح إلى دول أكثر انغلاقا على قوميتها بالدرجة الأولى ودينها بالدرجة الثانية. فمفاتيح العولمة التي استخدمها العالم الغربي يوما في فتح بابه للثقافات الأخرى أملا في تشكيل نوع من السيادة هي ذاتها التي يغلق بها الغرب الباب اليوم خوفا من ظلال الآخر في عالم اختلطت فيه العرقيات والقوميات في كل مكان فلم يعد مؤثرا فحسب بل متأثرا بالضرورة..
 

فإلى أين يتجه العالم؟ وماذا ينتظر العرقيات والأقليات المتنوعة في أوروبا وأمريكا؟ يصعب التكهن بما سيحدث لا سيما في جو مشحون بالمد والجزر في مفاهيم غدت محل تساؤل ومراجعة.. لست محللة سياسية ولا مفكرة عظيمة ولا متنبئة ذكية ولكني أدون فكرة وتساؤلا فحسب!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.