شعار قسم مدونات

كيف قضى النظام على مستقبل التيار الإسلامي في الجزائر؟

blogs - algeria

تعددت أساليب النظام الجزائري خلال قضائه على مستقبل التيار الإسلامي في حرب طويلة جعلته مضطرا لخوضها وفي مواجهة عدة أحزاب إسلامية مختلفة في توجهها الفكري، مما جعل أساليبه مختلفة على حسب أيديولوجية الحزب أو الحركة الإسلامية المتعامل معها.

استعمل النظام في حربه مع هذا التيار عدة اختيارات مدروسة في خطة طويلة الأمد لنخرها من الداخل أو هدمها من الأساس، فكان منها ما استعمل فيها القوة المفرطة والمواجهة المباشرة ومنها ما استعمل فيها الإغراءات بالمناصب ومنها ما استعمل فيها أسلوب المواجهة غير المباشرة وسلاحه الأخير كان أقوى سلاح تستعمله السلطة ضد هذه الأحزاب وذلك بتفكيكها من الداخل بالانشقاقات؛ ولم يحدث هذا الانشقاق إلا داخل الأحزاب ذات التيار الإسلامي فكان ذلك أكبر دليل على تدخل السلطة في تفكيكها.

الأسلوب الأول: القوة المفرطة
كانت ثقة المواطن الجزائري بنظامه قبل أحداث 5 أكتوبر 1989 ضعيفة جداً وذلك لوضعه المعيشي آنذاك حيث كان يعاني من المحسوبية وتفشي الرشوة والفساد الإداري لغالب المؤسسات والغياب التام للعدالة الاجتماعية وللحريات.. كل تلك الأسباب كانت العامل في الانتفاضة الشعبية ضد النظام في 5 أكتوبر 1988 فكان هذا التاريخ نقطة تحول في السياسة الداخلية للبلاد حيث شهدت عدة تغييرات مهمة وإصلاحات كبرى من بينها فتح المجال لتعددية الحزبية.

بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية التي فرضتها أحداث 1988 كان إنشاء الجبهة الإسلامية والذي كان في 18 فبراير 1989 وجاء اعتراف السلطة بها ككيان سياسي جديد في 6 سبتمبر عام 1989 والذي كان في رئاستها آنذاك الشيخ عباسي مدني.

انشق عن حركة النهضة حركتين وهما "حركة الإصلاح الوطني" و "حركة العدالة و التنمية" والأمر نفسه حصل مع حركة حمس حيث شهدت انشقاق عام 2008 تمخض عنه حركة "البناء الوطني" و "جبهة التغيير الوطني".

شاركت الجبهة في أول انتخابات تشريعية عام 1990 لاختيار المجالس البلدية والولائية والتي فازت بها فوزاً ساحقاً إذ تحصلت على 963 مجلس بلدي و32 مجلس ولائي من أصل 48، لم يكن ليتخيل النظام هذه النتائج التي اكتسحت فيها الجبهة أغلب المجالس البلدية والولائية، فما كان منه أن يسمح بهذا التغيير الواسع في الوجه السياسي للبلاد فعمل على إبطال تلك النتائج بتغيير قانون الانتخابات. خرجت الجبهة الإسلامية بمظاهرات عارمة رفضاً لهذا القانون التعسفي، قوبلت خلاله بقمع عنيف أدخل خلالها قادة الجبهة السجون وقُتل بعضهم وحَلَّت حركة الإنقاذ بعدها وأصبح مجرد الانتماء لها جريمة تستحق السجن أو القتل وبهذا كانت نهاية حركة الإنقاذ الوطني بعد مدة قصيرة من إنشائها كتيار إسلامي ينادي بدستور إسلامي للبلاد.

أسلوب الإغراء
استعمل النظام الجزائري أسلوباً مختلف مع حركة مجتمع السلم (حمس) حيث لمس في هذه الحركة توجها غير توجه جبهة الإنقاذ ولمس منه التعايش السياسي السلس والذي اتخذته الحركة في التعامل معه، فعمل النظام على إدخالها داخل لعبته السياسية بإغرائها بالمناصب عند كل استحقاق انتخابي، نجح النظام في تحويل حزب حمس من حزب معارض إلى حزب موالي له وذلك بما يسمى بتحالف الثلاثي الذي شكلته ثلاث أحزاب كبرى وهي حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، فكانت هذه الاحزاب تحت قبة اتفاق عُقِدَ من أجل دعم مرشح حزب جبهة التحرير عبد العزيز بوتفليقة.

أسلوب المواجهة غير المباشرة
كما عمل النظام على ضرب الأحزاب الإسلامية والقضاء على مستقبل العمل الإسلامي السياسي ولكت هذه المرة ليس بالمواجهة المباشرة كما حدث مع جبهة الإنقاذ الوطني، بل بالحيلة والمكر وذلك بنخر هذه الأحزاب من الداخل وتقسيمها لعدة أحزاب متنافرة وإضعاف جبهتها الداخلية وتشتيت قوتها وإظهارها أمام الرأي العام على أنها أحزاب متناحرة من أجل المكاسب السياسية.

انشق عن حركة النهضة حركتين وهما "حركة الإصلاح الوطني" و "حركة العدالة و التنمية" والأمر نفسه حصل مع حركة حمس حيث شهدت انشقاقا عام 2008 تمخض عنه حركة "البناء الوطني" و "جبهة التغيير الوطني"، وبعد 16 سنة من حالة الانشقاق أدركت هذه الحركات الإسلامية حاجتها للتوحد والابتعاد عن حالة الانقسام الذي جعلها تفقد شعبيتها بشكل كبير جداً وتشهد ضعفا كبيرا أمام جبهة التحرير والتي تحصل على أغلب الأصوات عند كل استحقاق انتخابي في ظل تراجع هذه الحركات الإسلامية بسبب هذا الانقسام الداخلي. شهدت حركة حمس و حركة النهضة بعد انقسام دام 16 سنة اندماج بعودة حركة التغيير لحركة الأم "حمس" و عودة حركة الإصلاح الوطني و حركة العدالة والتنمية لبيت حركة النهضة إلى وضع ما قبل عام 1999.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.