شعار قسم مدونات

في العراق إنسان بلا حقوق

blogs- العراق

كانت لجان حقوق الإنسان تزورنا الحين والآخر عندما كنت معتقلاً في معسكر "الشرف" داخل المنطقة الخضراء إبان ولاية رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي" وذلك بسبب توجهاتي السياسية، وكانت هذه اللجان تتعامل معنا بلطف!، وتوجه الأسئلة لنا! عن طبيعة طعامنا وشرابنا، وطبيعة التعامل معنا داخل السجن، وعن ظروف التحقيق، وهل تعرضنا للضغوط والضرب أثناء التحقيق وغير ذلك من الأسئلة التي تتعلق بجانب حقوق الإنسان.
 

وكان السجناء يتفاوتون في مستوى البوح، وما أن تغادر هذه اللجان حتى تبدأ زيارة أخرى ولكن من نوع آخر حيث اللغة السائدة فيها هي الشتم والضرب من قبل المنتسبين لإدارة السجن. بسبب البوح الذي قمنا به مع اللجنة التي زارتنا سابقاً! ولقد علمنا فيما بعد أن لجنة حقوق الإنسان التي قامت بزيارتنا إنما هي تابعة لمركز الاعتقال الذي نحن معتقلين من خلاله.
 

وهذا حال كل مراكز الاعتقال في العراق أنها تشكل لجاناً لحقوق الإنسان لغرض تلميع صورتها من جهة، وامتصاص غضب المعتقلين ومعرفة ما في صدورهم من جهة أخرى. وإذا ما أردنا التطرق إلى وزارة حقوق الإنسان والتي أسسها الحاكم المدني "بول بريمر" في اول حكومة بعد الاحتلال بموجب القرار رقم (60) لسنة 2003 لعلمنا أن دورها هو الدفاع عن سياسات الحكومة وتلميع صورتها في المحافل الدولية، وقد قام بهذا الدور بشكل متميز الوزير "محمد شياع السوداني" من (2010-2014) إبان ولاية "نوري المالكي" الثانية..
 

الملاحقات التي تقوم بها أجهزة الدولة "في العراق" لأعضاء  منظمات حقوق الإنسان والتضييق على أعمالها من جهة، وغياب الداعمين وضعف تفاعل المجتمع الدولي من جهة أخرى جعل عمل هذه المنظمات بطيئاً ومعقداً.

أما بالنسبة للجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن مجلس النواب العراقي فيكفينا أن نعلم أن رئيسها الأول "د حارث العبيدي" من (2006-2009) تم اغتياله في (12/ 6/ 2009) بعد إعلانه عن عزمه في كشف انتهاكات تقوم بها الحكومة داخل المعتقلات والسجون .وكل الذين تسلموا رئاسة اللجنة بعد د. حارث العبيدي لُفقت ضدهم العديد من القضايا والدعاوى الكيدية لغرض ثنيهم عن أداء دورهم في الدفاع عن الحريات وفضح الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب العراقي.. مع العلم أن مجلس النواب العراقي أقر قانوناً لتشكيل مفوضية حقوق الإنسان والتي بقى دورها ضعيفاً بسبب هيمنة ونفوذ أحزاب السلطة عليها.
 

ومن المضحك أن أغلب الأحزاب المتنفذة والتي تمتلك مليشيات مسلحة تقوم بجرائمها من أجل فرض هيمنة هذه الأحزاب وبسط نفوذها .قد انشأت لجاناً لحقوق الإنسان ضمن هيكليتها الإدارية ..وفي الجانب الآخر تأسست بعض المنظمات المستقلة والتي تبنت الدفاع عن حقوق الإنسان وفضح الانتهاكات التي تمارس بحقه في العراق وإيصال صوته إلى المحافل الدولية "كالمنظمة العراقية لحقوق الإنسان، منظمة الأمل للحريات، ومركز بغداد لحقوق الإنسان".. و"منظمة الراصد الحقوقي" والتي أخذت على عاتقها تشكيل الائتلاف الحقوقي لأجل العراق من خلال مؤتمر أقامته الراصد سنة "2015" في إسطنبول مع قيامها بالعديد من المعارض والنشاطات في هذا السياق. 

وكل هذه المنظمات وغيرها من التي لم نذكرها إضافة إلى بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان فإنها تعمل في ظل ظروف صعبة جداً، فالملاحقات التي تقوم بها أجهزة الدولة لأعضاء هذه المنظمات والتضييق على أعمالها من جهة، وغياب الداعمين وضعف تفاعل المجتمع الدولي من جهة أخرى جعل عمل هذه المنظمات بطيئاً ومعقداً، ولا يتناسب مع حجم الانتهاكات والمجازر التي ترتكب بحق الشعب العراقي..
 

لذلك وبعد الاطلاع على طبيعة عمل منظمات ولجان حقوق الإنسان الحكومية والمستقلة يتبين لنا مقدار التخبط والتعقيد الواقع في ملف حقوق الإنسان في العراق وحجم التحديات والصعوبات التي تواجه هذا الملف مما يؤدي حتماً إلى ضياع حقوق الإنسان العراقي تماماً. وفي المحصلة يستلزم وقفة جادة من العاملين والمهتمين بالجانب الحقوقي والإنساني في العراق ومن المجتمع الدولي أيضاً لإصلاح مسار وواقع حقوق الإنسان في العراق..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.