شعار قسم مدونات

من يزعجه نجاح تجربة العدالة والتنمية بالمغرب؟

blogs - morocco
لا شك أن الربيع العربي، ومنذ انطلاقته في 2011، كان كحلم جميل يراود الشعوب الثائرة أو المنتفضة أو المحتجة، على اختلاف مستوياتها، لأجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وكما يقول علماء الاجتماع "دوام حديث المرء عن شيء، هو دليل على افتقاده"، وهذه الشعوب، اختارت تلك المطالب لتجعلها شعارا ومطلبا وغاية، لأنها أكثر تفتقده.
 

لكن، تحولت الثورات بفعل عوامل داخلية أساساً وخارجية بدرجة ثانية، إلى كابوس مؤرق، ونهر من الدم ما يزال يسري بلا انقطاع في سوريا، وبدرجة أٌقل حجماً لا سوءاً في اليمن وليبيا، دون أن يلوح في الأفق معالم انبلاج الأزمة وانفراج هذا الكرب العظيم.
 

ولم تسلم من هذا الوضع المأساوي في دول الثورة إلا تونس، وإن كان ببعض التراجعات عن مطالب الثورة، لكن على الأقل تم الحفاظ على الروح العامة لما بعد ثورة يناير. من جهته، استطاع المغرب، بسياسة ملكية استباقية أن يمتص غضب الشارع، ويعلن عن تعديل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، فأفضى النص الدستوري الجديد بصلاحيات جديدة لرئيس الحكومة، وأفضت صناديق الانتخابات بتصدر حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي بالمغرب، فقاد حكومة ائتلافية، مكونة من قوى إسلامية ويسارية ويمينية محافظة وإدارية.
 

شكلت التحديات الاقتصادية أهم المشاكل التي واجهت ابن كيران وحكومته، خصوصاً وأن مختلف المؤشرات تدل على أن الدولة تمضي بشكل متسارع نحو الانهيار الاقتصادي، مما تطلب من رئيس الحكومة، القيام بعدد من الإجراءات القاسية لأجل استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية، والتي حررت البلاد من عنق الزجاجة، ولنا أن نتخيل شكل الدولة دون هذه الإجراءات التي قام بها ابن كيران، والتي تقبلها الشعب بشكل كبير -والدليل هو إعادة التصويت على حزب العدالة والتنمية مرة أخرى وتزايد شعبية ابن كيران وفق مختلف الاستطلاعات التي تم إجراؤها- ولنا أن نتساءل هل كان بإمكان المغرب أن يتحرك اليوم في العمق الإفريقي باستثمارات كبيرة كما يتابع الجميع دون أن يكون قد خلق توازنه الاقتصادي الداخلي وحصن ماليته من التهديد؟، والتي يعود الفضل الكبير فيها لابن كيران وحكومته.
 

استمرار نجاح الحزب في تفعيل نظريته السياسية للتغيير، لن تفضي إلا لمزيد من تقوية الحزب ومعه تقوية القطب الحزبي الديموقراطي بالمغرب، وإفشال وإضعاف القطب الحزبي التقليدي والإداري والصوري.

في السابع من أكتوبر أجريت الانتخابات الثانية في ظل دستور 2011، وتصدر حزب العدالة والتنمية المشهد مرة ثانية، وبدل 107 مقاعد حصل على 125 مقعدا، رغم كل الملاحظات التي تابعها المواطن المغربي، والتي كانت تشير لتدخل الإدارة وأعوان وزارة الداخلية لمساندة مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من الدوائر العليا بالبلد كما يُروج لذلك في الإعلام، خصوصاً وأن مؤسس الأخير أصبح مستشاراً للملك محمد السادس.
 

منذ التعيين الملكي لابن كيران رئيساً للحكومة وتكليفه بتشكيل الحكومة وفق ما منطوق النص الدستوري، ومشاورات زعيم "البيجيدي" تراوح مكانها، إذ حطمت الرقم القياسي لرؤساء الحكومات المغربية السابقة في مشاوراتهم لتشكيل الحكومة، وهو ما يؤكد وجود تضارب في الرؤى المؤطرة لتشكيل المجلس الحكومي، بين من يريده أن يعكس نتائج صناديق الاقتراع، وبين من يريد أن يرسمه وفق أهداف أخرى غير معلنة، لكنها في المجمل، لا تعني سوى التنكر لأصوات الناخبين، ما يعني أن العملية الانتخابية لم تكن سوى وسيلة أو عملية صورية لدمقرطة المشهد، وهذا ما يرفضه ابن كيران ويدافع عن صلاحيته باختيار من يدخل معه الحكومة وبأي شروط.
 

إن أكثر ما يزعج الراغبين في كبح السرعة المتنامية التي يمضي بها العدالة والتنمية في المشهد السياسي والحزبي المغربي، أولاً، قدرة الحزب التنظيمية العالية؛ ثانياً، ديموقراطيته الداخلية التي تعيق أي محاولة الاختراق قيادته السياسية؛ ثالثاً، استعصاء محاولات فصل وزراء ومنتخبي الحزب عن القواعد أو النجاح في خلق أزمة ثقة بين الجانبين وحفاظ هذه القيادات في مراكز المسؤولية الحكومية على رصيد أخلاقي جد مقدر؛ رابعاً، قدرة البيجيدي على المقاومة من الداخل أو المعارضة وهو في السلطة؛ خامساً، إرساء دعائم نجاح نظرية الحزب القائمة على التغيير المتدرج ومن الداخل؛ سادساً، إشراك المواطن وتوعيته بالقضايا السياسية والاقتصادية الكبرى للبلاد، وانخراطه في النقاش العمومي حولها.
 

وإذا نظرنا للعاملين الأخيرين، فهما يشكلان أكبر تهديد للقوى "المحافظة" من داخل مراكز صنع القرار، ذلك أن استمرار نجاح الحزب في تفعيل نظريته السياسية للتغيير، لن تفضي إلا لمزيد من تقوية الحزب ومعه تقوية القطب الحزبي الديموقراطي بالمغرب، وإفشال وإضعاف القطب الحزبي التقليدي والإداري والصوري، مما يعني أن التحكم في المشهد السياسي وإفرازات العملية الانتخابية لن يكون بالسهولة التي كان بها، خصوصا وأن الصنف الأخير من الأحزاب، كان وما يزال، وسيلة الإدارة لضبط مخرجات الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب.
 

من جانب آخر، فإن التراكم النوعي للفكر السياسي لدى المغاربة، واستيعابهم للعملية السياسية بتفاصيل لم تكن متوفرة من ذي قبل، لا يعني سوى المزيد من الانتصار لحزب العدالة والتنمية في ظل غياب أحزاب منافسة قوية، وهذا ما ينذر بكسر الحزب للخطوط المرسومة من حيث قدرة حزب واحد على تشكيل الحكومة، وهو المسار الذي يمكن أن يقع بالمغرب في انتخابات التشريعية المقبلة، ما يعني أن "البيجيدي" لن يكون أداة لتمرير سياسات معدة مسبقا وانتقائية، بل سيكون أداة لصناعة سياسات أخرى، صفتها الأساس أنها من الشعب وإليه، ما دامت الصناديق هي التي أوصلته للسلطة ومنحته ثقتها، هذا البعد الاستراتيجي لنجاح العدالة والتنمية خلال المرحلة المقبلة هو الذي يخيف التيار التقليدي في دوائر صناعة القرار، ولذا، يحاول عرقلة ابن كيران ودفعه إلى الفشل في تشكيل الحكومة، أو على الأقل، تشكيل حكومة ضعيفة نوعاً وإن كانت لها أغلبية أكبر، بحيث لا تقدر على الفعل الكبير في الساحة، أي أن تكون حكومة مخيبة للآمال لا دافعة لها أو مؤسسة عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.