شعار قسم مدونات

ملف حقوق الإنسان وعودة المغرب للاتحاد الإفريقي

A general view shows the headquarters of the African Union (AU) building in Ethiopia's capital Addis Ababa, January 29, 2017. REUTERS/Tiksa Negeri

تشكل قضية الصحراء دافعاً أساسياً لانضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي إضافة إلى الدوافع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فلقد شكلت قرارات الاتحاد الإفريقي في السنوات الأخيرة الماضية عائقاً كبيراً بالنسبة للمغرب لكونها لا تتماشى مع وحدته الترابية.

وبالعودة إلى تطورات الملف فلقد لجأت جبهة البوليساريو منذ سنة 2005 إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية من أجل توريط المغرب في ملفات أبرزها حقوق الإنسان والثروات الطبيعية. إذ تكللت هذه الجهود بحدثين بارزين يتعلق الأول بتبني الخارجية الأمريكية بمجلس الأمن مقترحاً بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتراقب حقوق الإنسان بالمنطقة لتسحبه فيما بعد، أما الثاني فيتعلق بوقف اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي بداعي عدم استفادة سكان الصحراء من عائدات الثروات الطبيعية بالمنطقة. ومما لا شك فيه أن انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سيفتح مواجهة مباشرة مع البوليساريو داخل الاتحاد عبر طرح ملفات متعلقة بالنزاع كملف حقوق الإنسان.

سيسعى المغرب إلى إبراز جهوده في مجال تعزيز ثقافة حقوق الإنسان سواء على المستوى الوطني أو بالصحراء وذلك عبر التعريف بسلسلة جهود بذلها المغرب في هذا المجال من قبل تقوية المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتعديل قانون العدل العسكري وتأسيس الجمعيات

إذن ما هي تداعيات ملف حقوق الإنسان بالصحراء بعد انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي؟
خلال السنوات الأخيرة، استفادت جبهة البوليساريو من عضويتها داخل الاتحاد ومن غياب المغرب لكي توجه بوصلة نزاع الصحراء من كونه نزاع قوى إقليمية إلى ما هو أعمق من ذلك بكونه نزاع سياسي ذو أبعاد إنسانية محضة وذلك لاقتناع جبهة البوليساريو ووعيها التام بصعوبة العودة إلى خيار الحرب.

وحتى وإن اندلعت فمكتسباتها قد تكون محدودة للغاية وإن كانت ستحرك المجتمع الدولي للبحث عن الحل. لذلك ركزت على ملف حقوق الإنسان لكسب تعاطف المجتمع الدولي عامة والإفريقي خاصة وجعلت من مرجعيتها في ذلك مواثيق حقوق الإنسان الدولية وكذلك الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
 

يعتبر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب أسمى وثيقة حقوقية بالقارة السمراء، والمسطر تزامناً مع انعقاد الدورة الثامنة عشر لمنظمة الوحدة الإفريقية سنة 1981 بنيروبي ليدخل حيز التنفيذ سنة 1986 بعد المصادقة عليه من طرف 25 دولة افريقية.

ولقد شكل هذا النص الحقوقي نقطة تحول محورية، تترجم مساعي القادة الأفارقة لحماية حقوق الإنسان باعتبارها أحد القضايا الفارقة والحاسمة في مستقبل التنمية ونجاح العمل الإفريقي والتي جذبت اهتمام المجتمع الدولي واستحوذت على تأييده.

وتعزيزاً لهذا التوجه تم انتخاب اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب سنة 1987 إضافة إلى تأسيس المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب سنة 2004 بموجب البرتوكول الخاص بالاتحاد الإفريقي بعد التصديق عليه من طرف 15 دولة وذلك بغية حماية حقوق الإنسان والشعوب وترويج وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والشعوب وكذلك تفسير الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
 

يفرض الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على الدول التي قامت بالتصديق عليه (54 دولة إلى حدود الآن باستثناء المغرب) انجاز تقرير عن وضع حقوق الإنسان، ويرفع هذا التقرير إلى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. ولقد صادقت جبهة البوليساريو على الميثاق سنة 1986 وسعت في تقريرها الأخير سنة 2013 إلى تخصيص جزء كبير منه لإبراز الوضع الحقوقي بالصحراء وركزت في ذلك على جملة من الحقوق التي يضمنها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان (في مواده من 20 إلى 26) والتي يمكن إجمالها في حق تقرير المصير وحرية التعبير والتظاهر وتأسيس الجمعيات والتنقل.

ولقد تعامل الاتحاد الإفريقي مع ملف حقوق الإنسان باهتمام كبير حيث أرسلت اللجنة بعثتين لتقصي أوضاع حقوق الإنسان بمخيمات اللاجئين بتندوف كان أخرها سنة 2012 وراسلت أيضاً المغرب لذات الغرض لكنه لم يسمح لها بذلك. وقدمت البعثة تقريرها للاتحاد الإفريقي الذي خرج بتوصيات أهمها توسيع صلاحيات المينروسو لتراقب حقوق الإنسان بالصحراء وكذا وضع مكتب خاص بالاتحاد بالمنطقة لذات الغرض وينضاف إلى ذلك قرار الاتحاد الإفريقي الأخير الذي نقله مبعوثه الخاص للصحراء، الرئيس الموزمبيقي السابق جواكيم تشيسانو إلى مجلس الأمن.
 

لجأت جبهة البوليساريو منذ سنة 2005 إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية من أجل توريط المغرب في ملفات أبرزها حقوق الإنسان والثروات الطبيعية. 

إذن مما لا شك فيه أن ملف حقوق الإنسان بالصحراء سيعود بحدة داخل الاتحاد الإفريقي بعد انضمام المغرب إليه، بالرغم من أن المغرب لم يقم إلى حد الآن بالتصديق على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب إلا أن عضويته داخل الاتحاد ستجبره على التعاطي بشكل إيجابي مع قرارات الاتحاد وعلى التعامل مع اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وبعثات اللجنة لتقصي أوضاع حقوق الإنسان بما أنه تعاطى في وقت سابق بشكل إيجابي مع المبعوث الأممي لحقوق الإنسان والمقرر الأممي لمناهضة التعذيب.

وسيسعى المغرب إلى إبراز جهوده في مجال تعزيز ثقافة حقوق الإنسان سواء على المستوى الوطني أو بالصحراء وذلك عبر التعريف بسلسلة جهود بذلها المغرب في هذا المجال من قبل تقوية المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتعديل قانون العدل العسكري وتأسيس الجمعيات (كترخيصه للجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية والتي يقع مقرها بالعيون) والنهوض بأوضاع اللاجئين إلى غير ذلك من الإجراءات.

كما ستسعى جبهة البوليساريو إلى تحقيق تطور في ملف حقوق الإنسان داخل الاتحاد وبحضور المغرب من أجل الدفع بالاتحاد إلى وضع آلية افريقية لمراقبة تطورات الوضع الحقوقي داخل الصحراء بالاعتماد على تقارير ودعم منظمات عالمية غير حكومية مهتمة بملف حقوق الإنسان كمنظمة روبرت كنيدي ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وكذا منظمات تابعة لها داخل الصحراء في ظل استمرار فشل المغرب في تدبير مقاربته الأمنية بالمنطقة.
 

والأكيد أن عنصر حقوق الإنسان تحول إلى معطى ثابت في نزاع الصحراء، وتفيد معطيات الواقع بنجاح البوليساريو في إدارة هذا الملف بشكل كبير وذكي، وإن كان المغرب قد استطاع حتى الآن المقاومة في المنتديات الدولية ومنها الحيلولة دون تنصيص مجلس الأمن على مراقبة حقوق الإنسان.

لكن ما يعتبره المغرب مقاومة يبقى في أعين بعض المنظمات الحقوقية الدولية إستمرار في ارتكاب الخروقات ضد الصحراويين، وهذا ما يؤثر سلباً إلى حد الآن على الموقف المغربي من ملف الصحراء وهو الأمر الوارد الذي ينتظر المغرب داخل الاتحاد الإفريقي ويستوجب منه مزيداً من الحذر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.