شعار قسم مدونات

مالكوم إكس وبلال بن رباح

blogs - malcom
قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام على أرض صحراء الحجاز، كان سيدنا بلال رضي الله عنه يُعذب على الرمال الحارقة ويوضع الصخر فوق صدره لأنه نطق بالشهادة فقط وأعلن إسلامه في زمنٍ غابت فيه الحرية، واستعبد الناس لمجرد لونهم أو نسبهم، وما كان منه إلا أن صبر في سبيل هذا الدين العظيم، حتى أعتقه أبو بكر وهاجر إلى المدينة وأصبح مؤذن مسجد رسول الله وهنا يتجسد معنى "عزة الإسلام لأهله" فلقد صهر الإسلام كل الاختلافات بين المسلمين وعاملهم سواسية كأنهم إخوة من نفس الأب والأم، لأنهم عبيدٌ لله وحده، لا أكثر ولا أقل.


وقبل اثنين وخمسين عام أيضاً تم اغتيال مالكوم أكس (Malcolm X)أو كما يُحب أن نسميه رحمه الله ( الحاج مالك الشبّاز) على يد جماعة أمة الإسلام، مات في سبيل الدفاع عن قضايا مهمة جداً، وحارب العنصرية ضد السود التي تفشت في زمنه بشكلٍ لا يصدق، وتمرد في وجه كل جماعة ترى نفسها أجدر بالعيش من الأخرى ولا تقبل النقد(وما أكثرهن في زماننا!) وطالب بحقوق المظلومين بلا خوفٍ بأعلى صوته، وتبنى كل قضية نبيلة ودعمها، و دعي الناس للإسلام بكل ما أوتي من عقل وجهد.


لطالما كانت شخصية بلال وسيرته قدوة حسنة للمسلمين، ففيه رأينا أملَ كلِ مظلوم، وسلوى كلِ محروم، وعزة كل مضطهد، ولكننا نفتقر للمزيد من هذه الشخصيات في كتبنا، لا بسبب عدم وجودها، ولكن بسبب قلة التركيز عليها، والاكتفاء بالصحابة والتابعين بل وما حملت كتب الدين من تعجيزٍ لنا من أن نصبح مثل هؤلاء الصحابة واكتفينا بقراءة قصصهم فقط..


حسب رأيي المتواضع، فإننا اليوم أحوج ما نكون إلى شخصية مالكوم كقدوة حسنة، وتدريسها وتطبيقها بشكل عملي على مجتمعاتنا لعدة أسباب، أهمها هو تقارب زمنه مع زمننا هذا، وامكانية اتباع سيرته وتطبيقها في واقعنا، بل ومواجهتنا لنفس التحديات والظروف، خاصة بعد تفشي مرض العنصرية في العالم كله ضد المسلمين أو اللاجئين، وما تسلل إلى عزائمنا من يأسٍ وقلة حيلةٍ وضعف إيمانٍ بالتغيير.


رغم أنه كان خطيباً مفوها إلا أنه كان مستعداً للتضحية بكل شيء في سبيل إيمانه وفي سبيل ما يقوله، ولقد فعل! وهنا جوهر القيادة التي نفتقدها في مجتمعاتنا وحكوماتنا المتكلمة المتكاسلة

أيضاً مر مالكوم في حياته بمراحل تحول جذرية فكان رحمه الله يتخلى عن أفكاره ومعتقداته القديمة إذ اكتشف أنها ليست صحيحة، واعترف بأخطائه مرات عدة، فلقد دخل السجن ثم اعتنق الدين الإسلامي وانضم لجماعة أمة الإسلام ولكنه حينما أدرك حقيقة هذه الجماعة انفصل عنها، وبدأ بتعلم الدين الصحيح بنفسه فقرأ، وبحث كثيراً، وسافر إلى دولٍ إسلامية ليتسع أفقه، ولم يلتزم بفكرٍ قديم خاطئ، لمجر أنه اقتنع به في وقتٍ سابق، وهذه نقطة مهمة جداً نحتاج إليها للحد من الطائفية والتعصب الحزبي والفكري، بدل من أن نجلس ونسأل أنفسنا باستغراب عن مصدر الإرهاب.


وعلى مقاييس النجاح والفشل يعد مالكوم شخصية تاريخية في النجاح، فلقد كان ماضيه غابر، لا يبشر بنهاية جيدة، بل وأودى به إلى السجن، ولكنه استغل السجن جيداً، وجعل منه نقطة البداية السحرية لتلك المسيرة السرمدية ليومنا هذا، وكان كلُ هذا في زمن قياسي.


رغم أنه كان خطيباً ومتكلماً من الدرجة الأولى-لذلك عُيِن المتحدث الرسمي لجماعة أمة الإسلام- إلا أنه كان مستعداً للتضحية بكل شيء في سبيل إيمانه وفي سبيل ما يقوله، ولقد فعل! وهنا جوهر القيادة التي نفتقدها في مجتمعاتنا وحكوماتنا المتكلمة المتكاسلة، فلقد قال "إذا لم تكن مستعداً للموت من أجل الحرية فاحذف هذه الكلمة من قاموسك"


أعزه الله بالإسلام وأعز الإسلام به، وشكل مالكوم صورةً حسنة للمسلمين في نظر الأمريكيين والعالم أجمع، فهو لم يبتدع فكراً جديداً ولكنه طبق ودعي الناس إلى الإسلام وقيمه العظيمة فقط، ولهذا يستحق أن يكون قدوة إسلامية.


مات مالكوم وهو يخطب في الناس عن الحرية والإسلام، مات واقفاً، لم يكن قد أكمل الأربعين من عمره بعد، إلا أنه ملأ كتب التاريخ بأفعاله وأقواله أكثر من عمره بكثير، وسيظل أيقونة النضال في سبيل الحرية والأب الروحي للمظلومين في كل مكان وزمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.