شعار قسم مدونات

الحرب على الإعلام أم حرب الإعلام على الإرادة الشعبية؟

BLOGS- الإعلام
تشهد علاقات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب مع وسائل الإعلام الأمريكية أزمة كبيرة، في ظل الهجمات المتبادلة بين الطرفين. وتعيد هذه الأزمة المتصاعدة إلى الأذهان النقاش القديم حول دور السلطة الرابعة في صناعة الوعي وترشيد المجتمع ومراقبة أداء الحكومة، وحدود هذا الدور وحرية الصحافة في الأنظمة الديمقراطية.
 

النظام الديمقراطي فيه ثلاث سلطات دستورية: السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان، والسلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة، والسلطة القضائية المتمثلة في المحاكم والمؤسسات القضائية. ومن مبادئ الديمقراطية الفصل بين هذه السلطات. ويطلق على وسائل الإعلام "السلطة الرابعة"، وهي سلطة معنوية، نظرا لتأثير تلك الوسائل في تشكيل الرأي العام وتوجيهه. وقد تشهد الأنظمة الديمقراطية الهشة تنافسا بين هذه السلطات يؤدي إلى تجاوز إحداها حدودها الطبيعية وسيطرتها على السلطات الأخرى.
 

هناك أمثلة كثيرة لمحاولة رجال الأعمال وأصحاب الشركات لفرض الوصاية على الإرادة الشعبية وشيطنة الرئيس المنتخب وتشويه سمعته، من خلال وسائل الإعلام المختلفة التي يملكونه.

سلطة وسائل الإعلام لا تأتي فقط من قوة تأثيرها في تشكيل الرأي العام وتوجيهه نحو تأييد الحكومة أو معارضتها، بل تأتي أيضا لكونها مملوكة من قبل رجال الأعمال. وقد تتحول هذه السلطة التي تشكلها قوة الإعلام وأموال الشركات إلى وصاية على الحكومة المنتخبة لصالح الشركات التي تملك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة على حساب إرادة الشعب ومصالحه، ولترى نفسها فوق الجميع وكأسرة مالكة تملك كل شيء في البلاد.
 

هذا التحول أعلنه صاحب صحيفة "حرِّيت" التركية الأسبق "أرول سيماوي" في رسالة نشرها في 19 أبريل / نيسان 1988 بعنوان "إلى رئيس الوزراء". وكان تورغوت أوزال يشغل آنذاك منصب رئيس الوزراء، وقد اشتكى من نشر وسائل الإعلام تقارير كاذبة. وقال سيماوي في تلك الرسالة، مخاطبا أوزال: "إنك تنسى حقيقة وهي أنك قد تتحول إلى كلب كبير وتهاجم قطا صغيرا ولكنه يخمش وجهك ويمزقه دفاعا عن نفسه. وبالتأكيد أنت لست ذاك المخلوق كما أننا لسنا بقطط، ولكني أعود وأؤكد: نحن أصحاب النزل وأما أنت فمجرد عابر سبيل سيرحل بشكل أو آخر"، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام في تركيا ليست السلطة الرابعة، بل هي السلطة الأولى.
 

صحيفة "حريت" التركية اليوم تابعة لمجموعة "دوغان" الإعلامية التي يملكها رجل الأعمال "آيدين دوغان". وكان دوغان اعترف في لقاء جمعه مع صاحب صحيفة "يني شفق" التركية، بدوره الفعَّال في إسقاط حكومة أربكان الإئتلافية في 30 يونيو/ حزيران 1997، للحفاظ على مصالحه التجارية، وتباهى بأنه هو من يشكل الحكومات ويسقطها.
 

هناك أمثلة كثيرة لمحاولة رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى لفرض الوصاية على الإرادة الشعبية وشيطنة الرئيس المنتخب وتشويه سمعته وتحريض القوات المسلحة للانقلاب عليه، من خلال وسائل الإعلام المختلفة التي يملكونها. ولعل رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، الملقب بـــ"إمبراطور المال والإعلام" هو المثال الأبرز لهذه الظاهرة في العالم العربي. ومن السذاجة اعتبار الحروب التي يشنها أمثال هؤلاء ضد أي حكومة منتخبة للحفاظ على مصالحهم الشخصية، نضالا من أجل مصالح الشعوب أو من أجل القيم والمبادئ كحرية التعبير وحرية الصحافة.
 

الرئيس الأمريكي الجديد "ترمب" يتعرض لحملة إعلامية غير بريئة تشابه الحملات التي سبق أن تعرض لها مرسي وأردوغان وغيرهما.

ترمب، منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، في صدام غير مسبوق مع وسائل إعلام بلاده التي ينتقدها بشدة، ويصفها بـ "الكاذبة" و"المضللة". ونشر قبل أسبوع تغريدة في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال فيها: "وسائل الإعلام الكاذبة ليست عدوتي بل عدوة الشعب الأمريكي".
 

وسائل الإعلام ليست مقدسة، ولا مصونة، ولا فوق النقد والمساءلة. ولا تعني حرية الصحافة حرية الكذب والتضليل والسب والشتم والإساءة بلا حدود. كما أن انتقاد وسائل الإعلام بسبب تقاريرها التي لا تمت للحقيقة بصلة أو رفع القضايا ضدها في حال انتهكت الحقوق ليس حربا على الإعلام أو تضييقا على حرية الصحافة. ومن حق الرئيس أو الوزير كأي من المواطنين أن ينتقد تجاوزات وسائل الإعلام، ولا يجعل هذا الانتقاد تلك الوسائل "ضحية".
 

الرئيس الأمريكي الجديد يتعرض لحملة إعلامية غير بريئة تشابه الحملات التي سبق أن تعرض لها مرسي وأردوغان وغيرهما. وعلى الرغم من رفضنا الشديد لعنصريته، ومواقفه المنحازة لليمين الصهيوني المتطرف، وتصريحاته المعادية للإسلام والمسلمين، فإن الحق يجب أن يقال، وهو أن الرجل فاز في الانتخابات الرئاسية وفقا للقواعد المعمول بها في الولايات المتحدة، وأنه يحاول أن يدافع عن نفسه أمام الهجمات الشرسة التي تشنها وسائل الإعلام الأمريكية، وأن تلك الهجمات ليست بسبب عنصريته أو انحيازه لإسرائيل، ولا لعيون المهاجرين. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.