شعار قسم مدونات

نظرات إلى إنتاج الهيكل 1 لماذا؟

BLOGS- هيكل
"قرأت كل إنتاج هيكل" السيسي لجريدة المصري اليوم يوم 23- 6- 2016
هل قرأت أنت كل إنتاج هيكل؟ لو فعلت لذهبت الدهشة كلها مما يحدث في مصر وإعلامها منذ 6 سنوات ولوجدت نفسك تقرأ الحاضر في كتب الماضي سطرا بسطر إلا قليلا. تصريح السيسي هذا مكمل للصورة.. يضع الاستنتاج النهائي في موقعه الصحيح واضحا أمام الناس.. يأتي بالحقيقة ليضعها أمام عينيك في أوضح صورة لكنه ليس ضروري أبدا لتدرك فحواه من تلقاء نفسك دون أن يقولها السيسي بل يكفي أن تقرأ كتب هيكل وتشاهد الواقع لتصل إلى نفس النتيجة. بل إنك ساعتها سيتبادر إلى ذهنك أنه ليس السيسي فقط من قرأ كل إنتاج هيكل بل الدولة العميقة في مصر كلها قرأت إنتاجه ونخبتها الثقافية لم تكتف بهذا بل تسعى لوراثة منهجه كذلك.
 

من هو هيكل؟ صحفي نشيط في مؤسسة أخبار اليوم والتي كانت جريدة مرموقة وواعدة ومنطلقة بداية من النصف الثاني من الأربعينيات. أنشأت أخبار اليوم عام 1944 وكان هيكل قد بدأ العمل في الصحافة قبلها بعامين.. استفاد الاثنان الصحفي والصحيفة من ألق البدايات وزخمها وانطلاقها خاصة وقد جاءت هذه البداية في فترة حاسمة من تاريخ مصر، كانت إرهاصات انتقال تاريخي من عصر إلى عصر ظاهرة للعيان وإن لم يتضح لأي مراقب ساعتها كيف سيكون هذا الانتقال.
 

فتحت الدولة العميقة عينيها على الحياة لتجد الصحفي "هيكل" بجانب الأب الرئيس في كل موضع ووقت وموقف.. يعطيه وثائقه ليحفظ صور منها ويستشيره في عظائم الأمور ويكلفه بكتابة خطاباته ورسائله أحيانا.

في هذه الفترة حارب الجيش المصري أول حروبه الكبيرة بعد إعادة إنشائه وسيطرة المصريين عليه بعد توقيع معاهدة 1936 في فلسطين في محاولة لإجهاض الدولة الصهيونية في مهدها. كان الصحفي شاهدا يغطي الحرب لحساب جريدته والتقى هناك بالضابط الذي ستقدمه الأحداث الكبرى بعدها بأربعة أعوام على أنه الزعيم وإن لم يكن صانعها الوحيد. هل نعرف صحفيا غطى هذه الحرب غير هيكل؟ الحقيقة أن غير المتخصص لا يستطيع أن يجيب على هذا السؤال لأن الدولة المصرية علمتنا أن تاريخ الصحافيين اللامعين في مصر قد بدأ من عنده. كانت الحرب تاريخ اللقاء الذي بدأ الحكاية التي قلما تجد لها مثيل وكانت فلسطين مكان اللقاء كما يحكي هيكل نفسه.. كان لقاء فريدا فقد استمر لمدة 22 عام حتى وفاة جمال عبد الناصر.
 

فتحت الدولة العميقة عينيها على الحياة لتجد الصحفي بجانب الأب الرئيس في كل موضع ووقت وموقف.. يعطيه وثائقه ليحفظ صور منها ويستشيره في عظائم الأمور ويكلفه بكتابة خطاباته ورسائله أحيانا ويرسله لاستطلاع البيئة السياسية قبل رحلاته الخارجية وتطلب الشخصيات الدولية وساطته مع الزعيم في أوقات الأزمات وتحاول معرفة موقف الزعيم من قضية معينة عن طريقه. ثم يعينه الزعيم وزيرا للإرشاد والخارجية لمدة يسيرة في ذروة واضحة لدوره في كيان الدولة المصرية في ظروف حرب الاستنزاف الدقيقة.
 

ثم لم تقتصر العلاقة على ناصر فقط وإنما وجدت الدولة الناشئة الأستاذ حاضرا في تسليم السلطة للسادات وبجانبه في صراعاته وحتى ذروة نجاح دولة يوليو عام 1973 عندما كلفه السادات بكتابة التوجيه الاستراتيجي الموجه للقوات المسلحة المصرية بخصوص هدفها في الحرب القادمة. عرفت دولتنا العميقة الرجل كوجه بارز للسياسة والاستراتيجية ومرجع للرئيس حتى حدث الخلاف مع الرئيس الجديد وأصدر قرارا في 2 فبراير عام 1974 بخروجه من جريدة الأهرام أكبر الصحف المصرية التي رأس تحريرها منذ الحادي والثلاثين من يوليو عام 1957 وحتى هذا التاريخ وشاركته بقوة في دائرة الضوء التي كانت مسلطة عليه وأنشأ مركزها للدراسات السياسية والاستراتيجية الشهير.
 

بدأ الأستاذ خلافه مع الدولة المصرية لأول مرة حول إدارة حرب السادس من أكتوبر ذلك الخلاف الذي سيبلغ ذروته بدخوله السجن عام 1981. لكن هذا الخلاف كما يبدو لم يعني الكثير للدولة العميقة التي نشأت على كون هيكل صانع ثقافة الدولة، كيف لا وقد عهد إليه الزعيم بتحرير كتابه فلسفة الثورة.. وهو الذي فلسف كل شيء في مصر حينها عندما أصبحت مصر بنت للثورة والثورة هي الزعيم.
 

وليس أدل على ذلك من أن عبد الفتاح السيسي الذي طرق باب الدولة عام 1974 عندما التحق بالكلية الحربية وكان ذلك بعد رحيل الكل الزعيم عن الدنيا والحرب عن الميدان والأستاذ عن الأهرام قد صرح بعدها ب 32 عام -وبعد أن قام بثورته الخاصة- أنه قرأ كل ما كتب هيكل. ولم يكن رجال الدولة العميقة الأقوياء هم فقط الأوفياء لميراث الأستاذ فإعلامهم كذلك بقي على العهد.
 

يجب علينا قبل مواجهة الدولة العميقة إذا كنا صادقين في ذلك أن نحيط بها علما، والهيكل هو أفضل مصدر لذلك العلم. التعريف هنا ليس للسخرية فالرجل معرف بذاته.

ولهذا مثال طريف.. هل تذكرون الحملة الضارية التي شنها الخبراء الاستراتيجيون الرسميون في الإعلام الرسمي على بريطانيا بعد انقلاب الثالث من يوليو باعتبارها الداعم الأول للإخوان المسلمين والمتآمر الرئيسي ضد مصر، وخصوصا بعدما كانت الأجهزة البريطانية أول من توقع أن يكون تفجير الطائرة الروسية الشهير عملا إرهابيا؟! لقد كان هذا استدعاء دقيقا لموقف الأستاذ من بريطانيا فهي دائما في قصة ثورة يوليو التي رواها العدو العصبي الشرس العصبي الذي لا يتوقف عن التآمر على مصر وثورتها وزعيمها ويحاول إسقاطه. كانوا داعمي الرجعية حينها وهم داعمي الجماعة الإرهابية الآن. نقل خبراء الدولة من الكتاب بالنص دون أن ينتبهوا إلى أن العصر مختلف والأعداء مختلفون.
 

يجب على شباب الثورة عامة والإسلاميين منهم خاصة أن يقرؤوا كل إنتاج هيكل كما فعل السيسي حتى يتعرفوا على ثقافة الرجل الذي هدم الحلم فوق رؤوسهم. ويجب عليهم أن ينحوا اشمئزازهم من حب الأستاذ للزعيم الذي نكل بالحريات ومدحه له وتبريره المباشر والغير مباشر لكل أخطائه عند القراءة حتى يستطيعوا الاستفادة من كتبه، وليست قراءة السرد التاريخي المسلي فحسب وإنما قراءة المحلل الناظر إلى ما وراء الكلمات.
 

يعتبر هيكل المصدر الوحيد المتاح للتعرف على فكر الدولة العميقة المصرية منذ نشأتها وتعريفاتها لمفاهيم كالثورة والمؤامرة والدولة والحكم والديموقراطية والوحدة والانتصار والهزيمة والفشل والنجاح والاستشارة والمستشار والانفراد بالحكم والاستبداد.. وغيرها من المفاهيم التي نعرفها ولكن بتعريف مختلف تماما عما تعرفها به الدولة المصرية كما تبين من مآل الثورة في مصر. لقد انتشر شعار الجيش حمى الثورة بعد أن أجبر مبارك على التنحي في الحادي عشر من فبراير عام 2011 ولكن لم يسأل الثوار أنفسهم تحت تأثير نشوة الانتصار المتخيل: هل بالفعل يعرف الجيش ما بدأ في الخامس والعشرين من يناير بالثورة كما نفعل نحن؟
 

لقد كانت إجابة هذا السؤال أساسية لمسار الثورة ولكن لم تجد من يشغل باله بها. يجب علينا قبل مواجهة الدولة العميقة إذا كنا صادقين في ذلك أن نحيط بها علما، والهيكل هو أفضل مصدر لذلك العلم. التعريف هنا ليس للسخرية فالرجل معرف بذاته.. عندما تقرأ اسم هيكل في مقال لصحفي مصري من أول هيكل يتبادر إلى ذهنك: بالضبط إنه هو.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.