شعار قسم مدونات

مُفتي لبنان.. وتنّورة لوبان

Marine Le Pen, French National Front (FN) political party leader and candidate for the French 2017 presidential election, speaks during a news conference after meeting with Samir Geagea, leader of the Christian Lebanese Forces, in Maarab, north of Beirut, Lebanon February 21, 2017. REUTERS/Mohamed Azakir
رن الهاتف، مرشحة الجبهة الوطنية الفرنسية لانتخابات الرئاسة ماري لوبان، تنوي زيارة دار الإفتاء اللبنانية، ضمن جولة تقوم بها لوبان على المرجعيات السياسية واللبنانية في لبنان. جاء رد دار الإفتاء على الزيارة وحُدد الموعد، مع الموافقة، تمّ إرفاق بروتوكول اللقاء، ملابس محتشمة، وغطاء على الرأس.


كان الرد من قبل السفارة الفرنسية بالموافقة على البروتوكول المقترح، فالبنطال جاهز "في صندوق السيارة" وغطاء الرأس "نحصل عليه لحظة وصولنا للدار".

قرع جرس المبنى، أطلَّت ماري بعد جولة كانت قد قامت بها لزيارة السياسيين اللبنانيين، امرأة شقراء الشعر بيضاء البشرة تقف أمام مبنى دار الإفتاء بتنورة سوداء قصيرة. وفد الاستقبال تفاجأ بالمشهد، ما العمل، اتصالات سريعة لحل المأزق، وكان الحل إدخالها بغطاء الرأس مع قبول التنورة مهما قصُرت!


انتظرت لوبان خمس دقائق على مدخل دار الفتوى رافضة وضع الحجاب والدخول به، وكانت حجتها استقبال شيخ الأزهر لها من دون غطاء الرأس! لكن المفتي دريان ثبت على موقفه الرافض لاستقبالها من دون الغطاء.

غادرت ماري المكان من دون حدوث الزيارة، فمن المنتصر من هذه الواقعة، المفتي أم لوبان؟

عمَّت وسائل التواصل موجات من الاستنكار لتصرف المفتي ولوبان، منهم من هاجم ذاك وآخرون انتقدوا تلك، ولكن موجة السخرية والاستنكار كانت قد سبقت الواقعة بأيام. فقد عُرف عن ماري لوبان تأييدها الكامل والمطلق لبقاء بشار الأسد بالسلطة، وتصريحاتها المناهضة للثورة السورية، والداعية لطرد اللاجئين من فرنسا لا سيما السوريين منهم، فيما يعرف عن دار الإفتاء اللبنانية، أنها مرجعية سنية متعاطفة بشكل أو بآخر مع الثورة السورية.


ليس لأحد الحق في إجبار أي فئة كانت على القبول بعاداته وتقاليده، والحرية كانت بالقبول والرفض قبل حدوث الواقعة

فبين قبول التنورة القصيرة وإلزام "ماري لوبان" بغطاء الرأس طعنة في الظهر لآلاف الشهداء والجرحى من الثورة السورية لم تكن آخرها صراخ أم مكلومة "جيبولي آية"، أو مناشدة طفل لأبيه "بابا شيلني"، والوقائع والآلام كثر في حرب لم تتوقف أو تلتئم جراحها بعد.

بالإضافة إلى مواقف لوبان العنصرية وتصريحاتها الغريبة التي كانت قد أوردتها خلال اللقاءات التي عقدتها في لبنان قبيل توجهها إلى دار الإفتاء، والتي تعكس نظرتها إلى لبنان وللمنطقة، المخالف لموقف لبنان الرسمي المحايد والرافض للدخول إلى الصراعات في المنطقة، والسؤال هنا: ألم يكن من الأجدى رفض دار الإفتاء للزيارة وعدم الدخول ضمن هذه المعمعات جميعها؟ والتي أساءت بعض الشيء لصورته أمام المجتمع.

واليوم فالمنتصر من واقعة ماري لوبان هي الدكتاتورية لا غيرها، فالتزمُّت من قِبل الطرفين لا يعكس الصورة الحقيقية للبنان ولا لفرنسا، وما هي إلا تعميق للجروح في عدم الوصول إلى حل للأزمة السورية أو حل لمعاناة آلاف المهاجرين الهاربين من جحيم الحروب في بلادهم، فقبول الآخر مفروض على الجميع متدين كنت أم لم تكن. وفي الختام.. ليس لأحد الحق في إجبار أي فئة كانت على القبول بعاداته وتقاليده، والحرية كانت بالقبول والرفض قبل حدوث الواقعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.