شعار قسم مدونات

التفاؤل وباء.. أننشره أم نتشافى منه؟

blogs - human

لا تحلمي كثيراً لإنك ستنصدمين في الواقع! لا تُحلّقي بأحلامك عالياً، ستقعين على رأسك يوماً ما! كوني واقعية ولا تتأملي كثيراً، هل ستعتقدين أن ظروفنا وعاداتنا ستسمح لك أن تحققين ذلك؟ غداً ستتعافين من هذا التفاؤل! اعتدت سماع هذه التعليقات من الأهل والأقارب، الصديقات. مُذ وعيت على هذه الحياة كانت حدود أحلامي السماء لا أقل، لا أتحدث على صعيد العلمي فقط بكل كانت أحلامي متشعبة تُحلّق في جميع الاتجاهات.

كان أول أحلام نعومة أظفاري "شهر عسل في جزر المالديف" وكان الكثير يسخر مني حتى أذكر أنه في عام 2004 عندما أغرقت تسونامي الجزر، ذكرني البعض بهذا الحلم مازحاً ها ما زلت تريدين الذهاب؟ رددت ساخرة أيضاً ("اي بسن يرجعوا يعمروها لو كان عندي عشر ولاد تاركتن ورايحة أعمل شهر عسل" نعم لم تسنح لي الفرصة بعد للذهاب إليها، لكنه سيأتي هذا اليوم بإذن الله وسأغرّد لكم من هناك.

علينا احترام حدود الدين وحدود أهالينا، لكن أن أحلم لا يعني أنه علي أن أتخلى عن قيم وحدود ديني كي أحقق أحلامي.

في الحقيقة أنا هنا ليس لأحدثكم عن أحلامي، فحديث مشوار العشرة سنين يطول. لكن ما دفعني لكتابة هذه السطور هو أملي بأن تكون دليلاً حياً مُلهماً للبعض بعد الإحباط الذي رأيته في حديث شباب هذا الجيل خصوصاً في ظل ثورات الربيع العربي، فالكل يرى أن أحلامه دٌفنت تحت خراب الظروف. حيث بات الحديث عن التفاؤل يعتبر فلسفة لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل هذه الظروف القاسية والفرص المحدودة (في نظرهم).

ألم يخبرنا الحبيب صلَّ الله عليه وسلم في الحديث القُدسي أن الله سبحانه وعدنا حين قال (أنا عندَ ظن عبدي بِي فَليظُنَّ بِي ما شَاء) فلم يضع حدود لأمالنا به بل تركه مفتوح لخيالنا، وأنت على (ما تشاء) منه ستحصل، ما أكرمه! فلماذا الكثير منا يؤمن بما يشاء في الدين ويكفر بما يشاء؟ للأسف أن هذا أيضاً ستسمعه في صالونات مجتمعاتنا التي اعتادت على (تكسير مئاديف) الشخص الذي يؤمن بالتفاؤل وتحقيق الأحلام وخصوصاً الأنثى. فالأنثى بنظرهم مقيدة حتى في أحلامها وطموحاتها وغالباً ما يضعون الدين في الواجهة.

لا شك أن علينا احترام حدود الدين وحدود أهالينا، لكن أن أحلم لا يعني أنه علي أن أتخلى عن قيم وحدود ديني كي أحقق أحلامي. بينما للأسف ما إن تنضج الفتاة وتبدأ تشق طريقها في الحياة سيقوم الجميع متفضلاً عليها (بكتالوجه الشخصي) المُحبط!
 

أكذب إن قلت إن التعليقات والسخريات التي كانت تتردد على مسامعي كلما تحدثت عن أحلامي لم تكن تزعجني أو تستفزني، بل كانت أيضاً تضعني في موقف المحامي الجدّي المدافع عن حقوق يرقة هشة تريد أن تكسر القفص وتُحلّق كفراشة تجوب الكون وتحظى من كل ربيعٍ بزهرة. لم أسمح أبداً لكلماتهم أن تحبطني أو تقيد جناحيّ، بل كنت أتخذها حطباً يُشعل حماسي أكثر ويزيد من إصراري على تحدي ظروفي وتحدي المجتمع الذي يستخدمونه كـ (شمّاعة) لإعاقة حركتنا. ولأثبت لهم عملياً أنه مع السّعي والإصرار والصبر والتخطيط مع التفاؤل والإيمان بالله لا شيء يستحيل مهما كان المجتمع ومهما كانت الظروف.
 

كنت أستمد قوتي وصمودي وصبري من ارتباطي بالله وإيماني بأنه معي وصاحبي في سفر الحياة. وبعد سبع سنين عجاف أتت فعلاً الأيام التي أبكاني الله فيها فرحاً، أزهرَ ربيعي، ونبتَ زرع جهدي وسعي.

ولأنها أحلامي فأنا المسؤولة عن تمهيد الطريق لها، فهذا ما فعلته. سايرت الظروف التي لم أستطع تغيرها لكن دائماً كانت روحي المتشبثة بأحلامي لا تتأثر بكلماتهم، ليسَ كبرياءً ولا عناداً لكنني كنت واثقة أنني سأجد طريقاً أبعد من سخرياتهم وقُصر نظرهم، وأوسع من قوالب كتالوجاتهم التي فصّلوها لأنقسم ويريدون مني أن أمد أرجلي على طول لحافهم. ثقتي أنه سبحانه أكبر من كل الظروف المحيطة بي، جيدها وسيئها. أكبر من المجتمع وتفكيره وفرصة وحروبه ومشاكله السياسية والاقتصادية. أكبر من العالم وحدوده الجغرافية وجوازته وفيزه التي فرضها. تفكّرت جيداً في قوله (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)! أأنسى أنه سخر لي الكون بما فيه وأستسلم لكلماتهم المحبطة!

ألم أتخذه وكيلاً ونصيراً وحسيباً؟ لا والله أبداً لن أستسلم. وبذلك سِرت خطوة خطوة دون أن أبالي بما يرددونه خلفي، نجحت أياماً وسقطت أياماً أخرى. تعثّرتُ بمصائب كان يمكنها أن تقطع أرجل الروح الطموحة داخلي. تلّقيت صفعات محنٍ كانت كافية لأن تشلّ خطواتي لكنني كنت على يقين بأن كل ما أصابي منه سبحانه خيراً، وانه يمتحن صبري وأيماني، فكل ما منعه عني هو لخيري وإن كان غيري يراه شراً.

وبعد كل سقطة أو خيبة أمل ترتفع الأصوات مجدداُ حولي لتردد بكلام ممسوح بالمواساة: ألم نحذّرك من التحليق بأحلامك عالياً؟ تحمّلي إذن وجع السقوط. أتمتم بثقة: من يدري (لعلَّ اللهَ يُحدث بعد ذلك أمراً)! كنت أستمد قوتي وصمودي وصبري من ارتباطي به وإيماني بأنه معي وصاحبي في سفر الحياة. وبعد سبع سنين عجاف أتت فعلاً الأيام التي أبكاني الله فيها فرحاً، أزهرَ ربيعي، ونبتَ زرع جهدي وسعي.

أكرمني الله، فاجئني الله، جبرني الله، كافئ صبري الله. ويسألون متعجبين كيف لها هذا؟ ونسوا أن (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّه بِعَزِيزٍ)! عندها تنحى الساخرون يراقبون من بعيد: يا لها من أنثى محظوظة، حتماً ظروفها ساعدتها! ونسوا أن البارحة يوم سقطت واستوحشت ظروفها قالوا عنها: أووه يا لها من أنثى مسكينة، كثيرة العثرات قليلة الحظ!

اخرج من دائرة راحتك، ركّز على هدفك دون مبالاة للأصوات من حولك، غامر، ادفع التسعة لتحصل على العشرة.

لكل منا ظروفه وسيرته الخاصة في تحقيق ذاته التي لا تنفع لأن تكون كتالوج أو وصفة لغيره، لكنها حتماً ستلهمه. ثق أن الله سبحانه عادلاً بين خلقه، فقد وهب كل فردٍ منا نافذة ولو صغيرة لتحقيق أحلامه. جميعنا لدينا مخارج طوارئ نحو أحلامنا حين تحاصرنا الظروف، لكننا نختلف في السعي والبحث عنها. لا تجلس في منطقة الراحتك (Comfort Zone) وتنتظر الظروف أن تأتيك بأحلامك أو بمن يأخذك نحوها!

صدّقني الكل مشغول في تحقيق ذاته، لا أحد منا يبحث عن روح بليدة معاقة ينتشلها من راحتها لتحلق لأحلامها! إلا إن كنت تعيش على أرض الفانتازيا في عالم ديزني، فهناك كل شيء ممكن! انهض، اخرج من دائرة راحتك، ركّز على هدفك دون مبالاة للأصوات من حولك، غامر، ادفع التسعة لتحصل على العشرة. سيكون الثمن غالياً، ستطول الليالي ويتعب المشوار وتتعثر قدماك في الطريق لكن لا تستسلم، فكلما تحركت خطوة سهُلَ الأمر درجة، وكلما دفعت ثمن قلّ الذي يليه. صدقني عندما تحقق بعض من أحلامك ستشعر أنه ما عاش متعة الحياة غيرك، ولم يذق جمال المصاعب سواك.

استمتع بالرحلة، استمتع بالصعوبات والتحديات التي تواجهك، كُن ممتنّ للخيبات التي تزورك لأنها ستقويك. والله لا متعة إلا بعد تجاوز كل الحواجز نحو الحلم، ولا لذّة للوصول إلا بعدما ينقطع نفسك ويجف ريق قلبك، ولن يزيدك هذا إلا تحليقاً للأعلى حيثُ (أنت)!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.